للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال الجَحَّاف: [من الطَّويل]

بَلى سوف أبكيهم بكلِّ مُهَنَّدٍ … وأَبكي عُمَيراً بالرِّماح الخَواطِرِ (١)

ثم قال: يا ابن النّصرانيَّة، ما ظننتُ أنّك تجترئ عليّ بمثل هذا ولو كنتُ مأسوراً، فَحُمَّ الأخطل في الحال خوفاً منه، فقال عبد الملك للأخطل: لا تَخفْ، فإني جارٌ لك منه، فقال: يا أمير المؤمنين: فهبْ أنك تُجيرُني منه في اليَقظة، أتُجيرني منه في المنام؟ ونهض الجحَّاف فخرج يجرُّ رداءَه، فقال عبد الملك: إن في قَفاه لَغَدرةً، وجمع الجحّاف قومَه، وأتى الرُّصافة، فصادف في طريقه أربع مئةٍ من بني تَغلب رهط الأخطل فقتلهم، وأتى ماءً لبني تَغلب يقال له: البِشْر، عليه جمعٌ كثيرٌ منهم فقتل منهم خمس مئة رجل، ثم تعدَّى إلى قَتْلِ النساء والوِلدان، فصاحت به عجوز منهم: قاتلك الله يا جَحَّاف، تعدَّيتَ من قتل الرجال إلى قتل النساء والوِلدان، أما تَخاف العاقبة؟! فرفع السيفَ عنهم.

وبلغ الأخطل، فدخل على عبد الملك وعنده امَراء دولتِه، وقال: واقوماه، وأنشد أبياتاً منها: [من الطَّويل]

لقد أَوْقَعَ الجَحَّافُ بالبِشْر وَقْعَةً … إلى الله منها المُشْتَكى والمُعَوَّلُ (٢)

فأهدر عبد الملك دمَ الجَحَّاف، فدخل بقومه بلادَ الرُّوم، فأقام بها سبع سنين حتَّى مات عبد الملك، فكتب إليه الوليد فرجع فأَمَّنَه (٣).

أفتَكُ من الحارث بن ظالم، كان قد فتك برجالٍ من أصحاب الأسود بن المنذر بن النُّعمان ملكِ الحيرة، فطلبه الأسود ففاته، فأرسل إلى جاراتٍ كُنَّ للحارث، فأَخذهُنَّ واستاق الإبل، وأُخبر الحارث، فعارض الجيش، واستَنْقَذَ ما أخذوه، وفتك بأصحاب الأسود.

أَفتكُ من عمرو بن كُلثوم، سار إلى عمرو بن هند ملكِ الحيرة في دار مملكته ما بين


(١) الأغاني ١٢/ ٢٠٥.
(٢) ديوانه ١٠.
(٣) المثل والقصة في الدرة ١/ ٣٣٧، والعسكري ١١١/ ٢ - ١١٢، والميداني ٢/ ٨٨ - ٨١، والزمخشري ١/ ١٩٢ - ١٩٣ وانظر الأغاني ١٢/ ١٩٨ - ٢٠٨.