للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وظلَّك وبركتك، ويبْنَى لي في كنفك بيتٌ أُعبَدُ فيه بعد خراب الدنيا أربعين سنة قال: فقاسيون من الله بمنزلة العبد الخاضع المتواضع المستكين.

وذكر أبو القاسم ابن عساكر في "تاريخه" هذا الأثر عن القاسم بن عبد الرحمن ولم ينسبه، وذكر البيتَ وقال: هو جامع دمشق (١) وأن رجلًا سأل النبيَّ عن دمشق فقال: "بها جبل يقال له: قَاسِيُون فيه قَتلَ ابنُ آدمَ أخاه، وفي أسفله غارٌ من الغربِ فيه وُلد إبراهيم ". وذكر حديثًا فيه أماكن (٢).

قلت: العجب من رواية مثل هذا الحديث الذي ألفاظه تنطق بوضعه على رسول الله ، فإن أحدًا من العلماء لم يذهب إلى أن قابيل قتل هابيل بالشام، ولا أنَّ الخليلَ ولد بالشام، وإنما ولد ببابل، لما نذكر في بابه.

وإنما المنقول في هذا عن كعب الأحبار، فإن نوفًا البكالي روى أن كعبًا قدم الشام ومعاوية بن أبي سفيان أمير بها من قبل عثمان ، وكان معاوية لما بلغه قدومُ كعبٍ إلى القدس في سنة ثلاثين قال: يا ليت لنا من يخبرنا بفضائل دمشق، وبلغ كعبًا، فلما نزل من عقبة شحورا نظر إلى قاسيون فقال: لا إله إلا الله، هذا مكان قتل فيه ابنُ آدمَ أخاه، كذا وجدته في التوراة، وهذا الكهف الذي عزَّتْ فيه الملائكة آدم، وهذا الغار الذي ولد فيه إبراهيم، وأشار إلى برزة، وهذا مكان كذا وكذا، وبلغ معاويةَ فبعث إليه بمالٍ كثير.

ومعلوم أنَّ عمر بن الخطاب كان يعلو كعبًا بالدرة دائمًا ويقول: دعنا من يهوديتك. وإنما تزار هذه الأماكن بحسن الظن، فإن الأعمال بالنيات، وقد طرقها خلقٌ كثير من السادات.

قَطَن: كانت عنده وقعة لعبس وذبيان بالحجاز، وقد ذكروه في أشعارهم.

جبل القَمَر: الذي يخرج منه نيل مصر، يبتدئ من الظلمات ويقطع البحر الحبشيَّ ولا يعلم أين منتهاه، وليس في الدنيا بعد قاف جبل أكبر منه، وسنذكر النيل فيما بعد إن شاء الله.


(١) "تاريخ ابن عساكر" ١/ ٣٠٠.
(٢) "تاريخ ابن عساكر" ١/ ٣٣٣.