للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقبل نفر من الكفار فأوردوا حوضَ رسول الله وفيهم حكيم بن حزام على فرس، فقال رسول الله : "دعوهم". فما شرب منه أحد إلا قتل أو أسر إلا حكيم بن حزام، فإنه هرب إلى مكة على فرس يقال له: الوجيه، ثم أسلم بعد ذلك. وكان إذا حلف يقول: لا والذي نجَّاني يوم بدر (١).

ثم خرج عتبة وشيبة والوليد بن عتبة، فدعَوْا إلى المبارزة، فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار، فقال لهم عتبة: من أنتم؟ قالوا: نحن من الأنصار. فقال عتبة: لا حاجة لي فيكم، ونادى: يا محمد، أخْرِج إلينا أَكْفاءَنا من قومنا، فقال رسول الله : "قُومُوا يا بَنِي هاشِم فَقَاتِلُوا بحَقِّكم الذي بَعَث الله بِه نَبِيَّكم، إذ جاء القومُ بِباطِلِهم ليُطْفِئُوا نُورَ اللهِ، قُم يا حَمزةُ، قم يا علي، قمْ يا عُبيدة بنَ الحارث" فقاموا. وكان على رؤوسهم البيض، فلم يعرفوهم، فقالوا: تكلموا. فقال حمزة: أنا أسد الله وأسد رسوله، فقال عتبة: وأنا أسد الحَلْفاء -يعني الأجَمة-، ثم قال: ومن معك؟ قال: ابن أخي علي وعبيدة بن الحارث، فقال: أكفاء كرام، ثم قال عتبة لابنه الوليد: تقدم يا وليد. فقتل حمزةُ شيبةَ، وقتل عليٌّ الوليدَ بن عتبة، واختلف عبيدة وعتبة ضربتين أثبت كل واحد منهما صاحبه، وكرّ حمزة وعلي على عتبة فقتلاه، وكان ذُباب سيف (٢) عتبة قد أصاب ساق عبيدة، فاحتملاه إلى رسول الله والدم يسيل من عضلة ساقه، فقال: يا رسول الله! ألستُ شهيدًا؟ قال: بلى والله. فقال عبيدة: لو كان أبو طالب حيًّا، لعلم أني أحق بما قال منه حيث يقول: [من الطويل]

كذبتُم وبَيتِ اللهِ نَخْذُلُ أحمدا … ولمّا نُطاعِنْ دونه ونُنَاضِل

ونُسلمُه حتى نُصَرَّعَ حولَه … ونُذْهَلَ عن أبنائنا والحلائلِ (٣)

ثم حُمِلَ عبيدة فمات بالصفراء (٤).


(١) "تاريخ الطبري" ٢/ ٤٤١، وانظر "السيرة" ٢/ ١٩٣.
(٢) ذباب السيف: حده.
(٣) الخبر في "المغازي" ١/ ٦٨ - ٧٠.
(٤) انظر "السيرة" ٢/ ٢٥١، و"الطبقات الكبرى" ٣/ ٤٩، و"المنتظم" ٣/ ١٤٠، والصفراء: واد كثير النخل قرب المدينة.