للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم تزاحف الناسُ ودنا بعضهم من بعض، وقال رسول الله : "إذا كَثَبَكم القومُ فانضَحُوهُمْ بالنَّبْلِ" (١). ثم دخل رسول الله العريش يناشد ربه بما وعده من النصر.

وفي أَفْراد البخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله يوم بدر وهو في قبة له: "اللَّهمَّ إنِّي أَنْشُدكَ عَهْدَكَ وَوَعدَكَ، اللَّهمَّ إنَّك إنْ تَشَأ لا تُعبَدُ بعدَ اليومِ" فأخذ أبو بكر بيده وقال: حسبك يا رسول الله، لقد ألححت على ربك. فخرج رسول الله وهو في الدرع يقول: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ [القمر: ٤٥] (٢) والقتال يعمل بين الفريقين. ثم خفق رسول الله خفقة، ثم انتبه، فقال: "يَا أَبَا بَكر، أَتاكَ النَّصرُ، هذا جِبريلُ آخذٌ بعِنَانِ فَرَسه يقودُه على ثنَاياه النَّقْعِ" (٣).

ولما دخل رسول الله العريش، قام سعد بن معاذ على باب البيت ومعه نفر من الأنصار بأيديهم السيوف يحرسون، وخرج رسول الله من العريش، وجعل يحرض الناس على القتال، ويعطي القاتل سَلَبَ المقتول.

وقال عمر بن الخطاب : لما كان يوم بدر، نظر رسول الله إلى أصحابه وهم ثلاث مئة ونيف، وإلى المشركين وهم ألف وزيادة، فاستقبل القبلة ومدَّ يَدَيهِ وعليه إزاره ورداؤه، وقال: "اللهمَّ أنجز لي ما وعدتني" يكررها، ثم قال: "اللهمَّ إن تهلك هذه العصابة من الإسلام لا تعبد في الأرض أبدًا". قال: فما زال يستغيث ربه ويدعوه حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فرده، والتزمه من ورائه وقال: يا نبي الله، كفاكَ مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، وأنزل الله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٩] الآية، فأمده الله بالملائكة (٤).

ولما اشتد القتال، هبت ريح شديدة لم ير مثلها قط، ثم ذهبت وجاءت أخرى، فكان جبريل في الأولى في ألف من الملائكة فوقف في الميمنة، وجاء ميكائيل في الثانية في ألف فوقف في الميسرة، وجاء إسرافيل في ثلاثةِ آلاف [فوقف] في القلب مع


(١) أخرجه البخاري (٢٩٠٠) من حديث أبي أسيد، وانظر الخبر في "السيرة" ٢/ ١٩٥.
(٢) أخرجه البخاري (٢٩١٥).
(٣) "السيرة" ٢/ ١٩٦.
(٤) أخرجه مسلم (١٧٦٣).