للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فارس، وثلاثةُ آلاف بعير.

وكان وحشي يمشي بالحربة في أوائلهم، فتماشيه هند بنت عتبة وتباسطه وتقول: إيهِ أبا دَسْمَةَ اشف اشف.

وكتب العباس إلى رسول الله يخبره بعدَّتهم وبما معهم، وبما قد عزموا عليه، وكانوا قد راودوه على الخروج معهم، فاعتذر بما لحقه من الغُرْم يوم بدر، ولم يساعدهم بشيء. وبَعث بكتابه مع رجل من بني غِفار، فوافى المدينة، فدفع الكتاب إلى رسولِ الله ، فقرأه عليه أُبي بن كعب وقال له: اكتم ما فيه.

وأتى رسول الله منزلَ سعدِ بن الربيع فأخبره بما فيه واستكتمه إياه، فلما خرج رسول الله من عنده، قالت له امرأته: ما قال لك رسول الله ؟ فقال: لا أم لكِ، وما أنت وذاك، فقالت: قد سمعتُ ما قال، فاسترجع سعد وأتى بها إلى رسول الله وأخبره، وقال: أخاف أن يفشو الحديث، فقال: "خَلِّ عنها" (١).

وسار المشركون يَطوون المنازل حتى نزلوا ذا الحُلَيفَة، فَرَعَوْا زرع المدينة، وأفسدوا نخيلها، وباتوا، ثم أصبحوا فنزلوا شَفير الوادي مما يلي المدينة.

وبات وجوه الأنصار سعد بن مُعاذ، وسعد بن عُبادة، وأسيد بن الحُضَير، يحرسون رسول الله ، ومعهم الأشراف من الأوس والخزرج، وعليهم السلاح إلى الصباح، ولما نزل القوم خطب رسول الله ، وقال: "رَأيتُ في مَنامِي بَقَرًا تُذبَحُ، فأَوَّلْتُها حَرْبًا يُنْحَرُ فيها أَصحابي، ورَأيتُ سَيفي ذا الفَقار قد انفَصَم، ورأيتني مُرْدِفًا كبشَ الكتيبةِ، وكأنِّي أُدخِل يدي في حِصنٍ حَصينَةٍ، فأوَّلْتُها المدينةَ، وأوَّلْت ما في سَيفي هزيمة أصحابي، وقَتْل رجل مِن أَهلِ بيتي، فإنْ رَأيتُم أَن نُقيمَ بالمدينَةِ ونَدَعَهُم حيثُ نزلوا، فإنْ أَقامُوا أَقامُوا بشرٍّ، وإن دَخَلوا عَلينا قَاتلْنَاهم فيها".

وكان رسول الله يكره الخروج من المدينة، فقال رجل من المسلمين ممن أكرمهم الله يوم أحد بالشهادة: يا رسول الله، اخرج بنا إلى هؤلاء الأَكْلُبِ لا يروا أَنّا جَبُنّا عنهم.


(١) "أنساب الأشراف" ١/ ٣٧٠ - ٣٧١.