للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فدعا رسول الله عبد الله بن أُبَيّ بن سلول، ولم يَدْعُه قبلها فاستشاره، فقال: يا رسول الله، لا نخرج إليهم، فوالله ما خرجنا منها إلى عدوٍّ قط إلا أصاب منا، ولا دخلها علينا عدوٌّ إلا أصبنا منه، فَذَرْهُم، فإن أقاموا أقاموا بشرِّ مقام، وإن دخلوها علينا قاتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين.

فلما فصل عنه عبد الله بن أُبيّ، اجتمع إليه جماعة من الأنصار وقالوا: يا رسول الله، لا تحرِمْنا الشهادة.

فصلى رسول الله الجمعة، ومات في ذلك اليوم مالك بن عمرو من بني النجار، فصلى عليه رسول الله ، ودخل بيته وخرج وقد لبس لأمته وحمل السلاح، فندمَ الذين كلّموه وسُقِطَ في أيديهم، وقالوا: استكرهنا رسول الله والوحي ينزل عليه، بئس ما صنعنا. فقاموا واعتذروا إليه، وقالوا: افعل ما بدا لك، فقال: "لا يَنبَغي لنبيٍّ أَن يَلبَسَ لأمَتَه فيَضَعَها حتَّى يُقاتِل" (١).

فخرج بعدما صلى الجمعة، فبات بالشَّيخَين، وهما أُطمانِ في طرف المدينة، وكان رسول الله قد خرج في ألف من أصحابه، واستعمل على حرسه تلك الليلة محمد بن مسلمة الأنصاري في خمسين رجلًا، ولما بات بالشَّيخينِ سمع كتيبةً لها زَجَلٌ، فقال: ما هذا؟ فقالوا: حلفاء عبد الله بن أُبَيّ من اليهود، فقال رسول الله : "لا تَسْتَنصِروا بالكُفَّارِ على أَهْلِ الشِّركِ" (٢)، ثم قال: "مَن يَخرجْ بِنا على القَومِ مِن كَثَب"؟ أي: من قريب، فقال أبو خيثمة (٣) بن الحارث: أنا. فتقدم بين يديه في حرة بني بياضة، فلعب فرس بذنبه فأصاب سيفًا فاستله، فقال رسول الله وكان يحب الفأل ويكره الطيرة: "يا صَاحِبَ الفَرَس، شِمْ سَيفَكَ فإنِّي لأرى السُّيوف اليوم لتُسَلُّ" (٤).


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (١٤٧٨٧) من حديث جابر بن عبد الله . وانظر "المغازي" ١/ ٢١٤، و"تاريخ الطبري" ٢/ ٥٠٣.
(٢) "المغازي" ١/ ٢١٥ - ٢١٦، و"الطبقات الكبرى"٢/ ٣٦.
(٣) ويقال: أبو حثمة، ويقال: أبو حتمة، وانظر "الإصابة" ٤/ ٤٢، و"السيرة الشامية" ٤/ ٢٧٩.
(٤) ولفظه عند الواقدي ١/ ٢١٨، والطبري ٢/ ٥٠٦: "يا صاحب السيف، شم سيفك، فإني إخال السيوف ستسل فيكثر سلها". وشم سيفك: اغمده.