للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومر رسول الله حتى نزل بشِعبٍ من أُحُد في عُدْوَة الوادي، وجعل ظهره إلى أُحد، وانخزل عبد الله بن أبي في ثلاث مئة ونَيِّفٍ -ثلثِ المسلمين- ورجع وهو يهدُرُ كالفَنيقِ (١) ويقول: أطاع الأحداث ومَن لا رأي له وعصاني، سيعلم، ثم قال: على ماذا نقتلُ أنفسَنا، ارجعوا أيها الناس. فرجع معه قومه أهل النفاق، وتبعه عبد الله بن عمرو بن حَرَام يناشده الله، ويقول: قاتلوا عن حَوْزَتكم، فما رجع، فقال له: أَبْعَدَكَ الله يا عدوَّ الله ومن معكم، الله يغني عنكم، فقال ابن أبي: لو نعلم قتالًا لاتَّبعناكم.

ولما رأت بنو سُلَيْم وبنو حارثة عبد الله بن أبي قد انخزل، همُّوا بالانصراف معه، وكانوا جناحَي العسكر، وفيهم نزل قوله تعالى: ﴿إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا﴾ الآية [آل عمران: ١٢٢]، ثم عصمهما الله تعالى (٢).

وعقد رسول الله الألوية، وكان لواء المهاجرين الأعظم يومئذ بيد مصعب بن عمير، ولواء الأوس بيد أسيد بن حضير، ولواء الخزرج بيد سعد بن عبادة، وقيل: بيد الحُباب بن المنذر (٣).

وركب رسول الله فرسه، ولم يكن معه سوى فرسين أحدهما له، والأخرى لأبي بُرْدَة بن نِيار، وتَعبَّأَ مع رسول الله سبعُ مئة دارع، ثم تنكَّب رسول الله قوسه، وأخذ بيده القناة وبين يديه مئة دارع، وأمّر عبد الله بن جبير على الرماة ورتب معه خمسين رجلًا من الرماة، وقال له: "انْضَح عنَّا الخيلَ بالنَّبْل، لا يَأتُونا مِن خَلفِنا، واثبُت مَكانَكَ سَواء كانت لنا أو علينا لا نُؤتى مِن قِبَلكِ، وأقم بأصل عَينَينِ (٤)، فإنَّا لا نَزَال عَالِينَ ما ثَبَتُّم في مَكانِكُم ولم تفارقوا المَركز (٥) ".

وأقبلت قريش وعلى ميمنتها خالد بن الوليد في الخيل، وقيل: صفوان بن أمية،


(١) الفَنيق: الفحل المكرمُ من الإبل الذي لا يُركَب ولا يُهان لكرامته عليهم. اللسان: (فنق).
(٢) انظر "تاريخ الطبري" ٢/ ٥٠٤، والمغازي ١/ ٢١٩، والطبقات ٢/ ٣٧.
(٣) "أنساب الأشراف" ١/ ٣٧٤.
(٤) عينين: هضبة جبل أحد.
(٥) لم نقف عليه بهذا اللفظ، وانظر "السيرة" ٣/ ١٨، و"تاريخ الطبري"٢/ ٥٠٧.