للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقال: إن رسول الله اشتراه لما خرج إلى الشام في تجارة لخديجة، وهو وهم.

وقال ابن عبد البَرِّ: تبناه رسول الله قبل النبوة بثمانِ سنين (١)، وكان رسول الله أكبر منه بعشر سنين.

ولما اشتد حزن أبيه عليه حين فقده أقام مدة يَنْشُده ويبكي وقال الشعر، فمن قوله (٢): [من الطويل]

بَكيتُ على زيدٍ ولم أَدرِ ما فَعَل … أَحَيٌّ فَيُرجى أَم أتى دونَه الأَجَلْ

فَوَالله ما أدرِي وإن كنْتُ سائِلًا … أَغالَكَ سهلُ الأَرْضِ أم غَالك الجبلْ

أَلا لَيتَ شِعري هل لك الدَّهْرَ رجعةٌ … فَحَسبي من الدُّنيا رجوعُكَ لي بَجَلْ

تُذكِّرُنيهِ الشَّمسُ عند طُلوعِهِا … وتَعْرِض ذِكراه إذا قارَبَ الطَّفَلْ

وإن هبَّتِ الأرواحُ هيَّجْنَ ذِكْرَهُ … فيا طول ما حزني عليه ويا وَجَلْ

سأُعْمِلُ نَصَّ العِيسِ في الأرض جاهِدًا … ولا أَسْأَمُ التَّطوافَ أو تسأمَ الإبِلْ

حياتيَ أو تأتي عليّ مَنِيَّتي … وكلُّ امرئ فانٍ وإن غَرَّهُ الأَمَلْ

وأُوصي به كعبًا وعَمْرًا كِلَيْهِما … وأُوصي يزيدًا ثم من بعدهِ جَبَلْ

أراد كعب بن شراحيل أخا حارثة، وأما عمرو فهو ابن عم حارثة وهو عمرو بن الحارث بن عبد العزى، وكنيته أبو بشر، وهو جد محمد بن السائب الكلبي، وأما يزيد فهو أخو زيد بن حارثة لأمه وأبيه، وهو يزيد بن كعب بن شراحيل، وأما جبل: أراد جبلة، وهو أخو زيد لأمه وأبيه.

وذكر بعض النساب، أن حارثة تزوج امرأة من طيئ وقيل: من بني نَبْهان، فأولدها جبلة وأسماء وأسامة وزيدًا ثم توفيت أمهم وبقوا عند جدهم لأمهم، وأراد حارثة حَمْلَهم إلى أهله فأبى جدهم وقال: عندي أرفق لهم، ثم تراضوا على أن يَحملَ جبلةَ وأسماء وأسامة ويبقى زيد عنده، فجاءت خيل من تِهامةَ من فَزارة فأغارت على طيئ فسبت زيدًا فوافت به سوق عكاظ، فرآه رسول الله قبل أن يبعث، فقال لخديجة: "رأيت في السوق غلامًا من صفته كذا وكذا" يصف عقله وأدبه، فأمرت خديجة ورقة


(١) في "الاستيعاب" بهامش "الإصابة" ١/ ٥٤٥: فتبناه رسول الله وهو ابن ثمان سنين.
(٢) الأبيات في "الطبقات" ٣/ ٣٩.