للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن نوفل فاشتراه من مالها، فوهبته لرسول الله فتبنّاه إلى أن جاء رجل من كَلْب فنظر إلى زيد فعرفه فقال: أنت زيد بن حارثة؟ فقال: بل أنا زيد بن محمد، فقال: إن أباك وعمومتَك وإخوتَك قد أتعبوا الأبدان وأنفقوا الأموال بسببك (١).

وقيل: حجَّ قومٌ من كلب فرأَوْه بمكة فعرفهم وعرفوه، فقال: هل فيكم من يبلغُ أهلي هذه الأبيات: [من الطويل]

ألِكْني إلى قومي وإن كنت نائيًا … بأني قطينُ البيتِ عند المَشاعرِ

فكُفُّوا عن الوَجْدِ الذي قد شَجاكمُ … ولا تُعْمِلوا في الأرض نَصَّ الأَباعرِ

فإني بحمد الله في خَيْرِ أُسْرَةٍ … كرامِ مَعَدٍّ كابرًا بَعْدَ كابرِ

فقالوا: نعم، وانطلقوا فأخْبَروا أهلَه، فخرج أبوه حارثة وكعب ابنا شراحيل فقَدِما مكَّةَ، فسألا عن رسولِ الله ، فقيل: هو في المسجد، فدخلا فإذا هو في الحِجْرِ قاعدٌ فسلما عليه وقالا: يا ابنَ عبدِ المطلب، يا ابن سيَّدِ قومه أنتم أهلُ الله وجيرانُه وسكانُ حَرَمِه تفكُّون العاني وتطعمون الجائع وتكسونَ العاري وتحملون المنقطع، فقال: "ما الذي بكما"؟ قالا: جئناك في فداء زيدٍ ابننا فامنن علينا أَو أَحسن في فدائه إِلينا، فقال رسول الله : "فهلَّا غَيرَ ذلك"؟ قالا: وما هو؟ قال: خيراهُ، فإنِ اختارَكُما، فهوَ لكُما بغيرِ فِداءٍ، وإنِ اختارَني، فما أنا بالذي أخْتارُ على مَنْ يَختارُني أَحدًا" فقالا: أحسنت والله لقد زِدْتَ على النِّصَفِ، فدعاه رسولُ الله وقال: "يا زَيْدُ، أتَعْرِفُ هذين قال: نعم، هذا أبي وعمي، فقال: "أنا مَنْ قد عَلِمْتَ ورأيت صُحبَتي، فاخْتَرني أو اخْتَرْهُما" فقال: ما أنا بالذي أختارُ عليك أحدًا، أنت مني بمنزلة الأب والعم، فقالا: ويحك يا زيدُ، أتختار العبودية على الحرية، وعلى أبيك وعمك وأَهْلِكَ؟ قال: نعم، إني قد رأيت من هذا الرجل أشياءَ ما أنا بمفارقه ولا أختار عليه أحدًا أبدًا. فلما قال ذلك قام رسولُ الله في الحِجْرِ وفيه أعيانُ قريش فقال: "يا مَن حَضَرَ مِنَ المَلأ، اشهَدُوا أَنَّ زَيدًا ابني، أَرِثُه ويَرِثُني" فلما سمع ذلك أبوه وعمه طابت نفوسُهما وانصرفا شاكِرَيْن، فدعي من ذلك اليوم زيد بن محمد زمانًا حتى جاء الإسلام (٢).


(١) انظر "تاريخ ابن عساكر" ١٠/ ١٣٧.
(٢) "الطبقات" ٣/ ٣٩ - ٤١.