الشاء، وبكاء الصغير؟ فقال: سُقْتُ مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم، قال دريد: ولم؟ قال: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهلَه ومالَه وولده وشاءه حتى يقاتِلوا عنهم، فنفض دريد يده وقال: راعي ضأن، ماله وللحرب، وهل يردُّ المنهزمَ شيءٌ؟ إنها إن كانت لك، لم يَنْفَعْكَ إلا رجل بسيفه ورمحهِ، وإن كانت عليك، فُضِحْتَ في أهلك ومالك، يا مالكُ، إنك لن تصنع بتقديم بَيْضَةِ هوازن إلى نُحور الخيل شيئًا، فإن كانت لك لحِق بك مَنْ وراءَكَ، وإن كانت عليك ألفاكَ ذلك وقد أحرزت أهلَكَ ومالَكَ. فغضب مالك وقال: والله لا أُغَيِّرُ أمرًا أَصنعُه، إنك قد كَبرتَ وكبر عملك وحدث بعدك من هو أبصر منك بالحرب. فقال دريد: يا معاشر هوازن، والله ما هذا لكم برأي، هذا فاضحكم في عورتِكم وممكِّنٌ منكم عدوَّكم، ولاحقٌ بحصن ثقيف وتارِككم، فانصرفوا ودعوه. فسلَّ مالكٌ سيفه ثم نكسه، وقال: والله يا معاشر هوازن لتُطيعُنَّني أو لأتكئنَّ على السيف حتى يخرج من ظهري، وكره أن يكون لدريد فيها ذكرٌ، فقال بعضهم لبعض: والله لئن عصينا مالكًا وهو شاب ليقتلن نفسه ونبقى مع دريد شيخ كبير لا قتال فيه، فأَجْمعوا رأيهم على مالك، فلما رأى ذلك دريدٌ قال: هذا يوم لم أشهده ولم أَغِبْ عنه: [من مجزوء الرجز]
يا ليتني فيها جَذَعْ
أخُبُّ فيها وأَضَعْ
أقود وَطْفاءَ الزَّمَعْ
كأنَّها شاةُ صَدَعْ
وخرج رسول الله ﷺ من مكّة في عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار والقبائل الذين شهدوا معه الفتح، وفي ألفين من أهل مكة من الطُّلقاء، وكان المشركون أربعة آلاف فقال قائل: لن نُغْلَبَ اليوم من قِلَّةٍ، فلما سمع النبي ﷺ ذلك ساءَه (١).
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: "خَيرُ الأصحابِ أربَعةٌ، وخَيرُ السَّرايا