للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخلا الوفد بعضهم إلى بعض فقالوا: والله خطيبُهم أبلغُ من خطيبنا، وشاعرهم أَشعرُ من شاعِرنا وهم أَحْلَمُ منّا، وأنزل الله فيهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (٤)[الحجرات: ٤] وردَّ رسول الله الأسرى والسبي وأجازهم فأحسن جوائزهم، وكان عمرو بن الأهتم في رِحالهم وظَهْرِهم ومن أحدثهم سِنًّا، وقيس بن عاصم يبغضه فقال: يا رسول الله إنه قد تخلَّفَ غلام منا في رحالِنا وهو حَدَثٌ لا شرَف له، فقال رسول الله : "وإن كان فإنَّه وافدٌ وله حقٌّ". فأعطاه رسول الله مثل ما أعطى واحدًا من القوم، وبلغ عمرًا فقال يهجو قيس بن عاصم: [من البسيط]

ظَلِلْتَ تغتابُني سِرًّا وتشتُمني … عند الرسول فلم تصدقْ ولم تُصِبِ

سُدْناكمُ سُودَدًا رَهْوًا (١) وسؤدَدُكُم … بادٍ نواجذهُ مُقْعٍ على الذَّنَبِ

إن تُبغضونا فإن الرومَ أصلُكُمُ … والروم لا تملكُ البغضاءَ للعرب

وقال أبو إسحاق الثعلبي: جاءت بنو تميم إلى رسول الله فنادوا على الباب: يا محمد اخرج إلينا، فإن مدحَنا زَيْنٌ وذمنا شيْنٌ، فخرج رسول الله وهو يقول: "إنما ذلكم الله، مدحُه زَيْنٌ وذمُّه شَينٌ". فقالوا: نحن أناسٌ من بني تميم جئنا بشاعِرنا وخطيبنا لنُشاعِرَكَ ونفاخِرَكَ.

فقال رسول الله : "ما بالشَّعرِ بُعثتُ، ولا بالفخارِ أُمرتُ ولكن هاتوا" فقال الزبرقان لشاب فيهم: قم فاذكر فضْلَكَ وفضْلَ قومك، وذكر بمعنى ما تقدم.

ثم إن حسانَ بنَ ثابتٍ أنشد بعد إجابته لشاعرهم بالأبيات المتقدمة: [من الطويل]

نصرنا رسولَ الله والدينَ عَنْوَةً … على رُغْمِ عاتٍ من مَعَدٍّ وحاضِرِ

فأَحياؤنَا مِنْ خَيْرِ مَنْ وَطِئَ الحَصا … وأمواتُنا من خيرِ أَهْلِ المقابرِ

فقام الأقرع وقال: قد قلت شعرًا فاسمعه مني، فإني ما جئت لِما جاءَ له هؤلاء، فقال: "هات" فقال: [من الطويل]

أتيناكَ كَيْما يَعْرِفَ الناسُ فَضْلَنا … إذا جاء أَمْرٌ عند ذكر المكارمِ


(١) في النسخ: نهزًا، والمثبت من السيرة ٢/ ٥٦٧، وانظر المغازي ٣/ ٩٨٠.