وخلا الوفد بعضهم إلى بعض فقالوا: والله خطيبُهم أبلغُ من خطيبنا، وشاعرهم أَشعرُ من شاعِرنا وهم أَحْلَمُ منّا، وأنزل الله فيهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (٤)﴾ [الحجرات: ٤] وردَّ رسول الله ﷺ الأسرى والسبي وأجازهم فأحسن جوائزهم، وكان عمرو بن الأهتم في رِحالهم وظَهْرِهم ومن أحدثهم سِنًّا، وقيس بن عاصم يبغضه فقال: يا رسول الله إنه قد تخلَّفَ غلام منا في رحالِنا وهو حَدَثٌ لا شرَف له، فقال رسول الله ﷺ:"وإن كان فإنَّه وافدٌ وله حقٌّ". فأعطاه رسول الله ﷺ مثل ما أعطى واحدًا من القوم، وبلغ عمرًا فقال يهجو قيس بن عاصم:[من البسيط]
ظَلِلْتَ تغتابُني سِرًّا وتشتُمني … عند الرسول فلم تصدقْ ولم تُصِبِ
إن تُبغضونا فإن الرومَ أصلُكُمُ … والروم لا تملكُ البغضاءَ للعرب
وقال أبو إسحاق الثعلبي: جاءت بنو تميم إلى رسول الله ﷺ فنادوا على الباب: يا محمد اخرج إلينا، فإن مدحَنا زَيْنٌ وذمنا شيْنٌ، فخرج رسول الله ﷺ وهو يقول:"إنما ذلكم الله، مدحُه زَيْنٌ وذمُّه شَينٌ". فقالوا: نحن أناسٌ من بني تميم جئنا بشاعِرنا وخطيبنا لنُشاعِرَكَ ونفاخِرَكَ.
فقال رسول الله ﷺ:"ما بالشَّعرِ بُعثتُ، ولا بالفخارِ أُمرتُ ولكن هاتوا" فقال الزبرقان لشاب فيهم: قم فاذكر فضْلَكَ وفضْلَ قومك، وذكر بمعنى ما تقدم.
ثم إن حسانَ بنَ ثابتٍ أنشد بعد إجابته لشاعرهم بالأبيات المتقدمة:[من الطويل]
نصرنا رسولَ الله والدينَ عَنْوَةً … على رُغْمِ عاتٍ من مَعَدٍّ وحاضِرِ