للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخوه بُجَير يخبره بذلك، ويقول: النجاء، وما أظنك ناجيًا، وإن رسول الله ما جاءه أحد قط يفوه بالشهادتين إلا قَبله، ولم يؤاخذه بما تقدم قبل الإسلام، قال كعب: فقدمت المدينة، فأنخت راحلتي على باب المسجد، ودخلته، ورسول الله جالس بين أصحابه مثل موضع المائدة من القوم، وهم متحلقون حوله حلقة ثم حلقة ثم حلقة، فيقبل على هؤلاء مرة، ثم على هؤلاء، فدنوت منه، وقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فقال: "مَن أَنْتَ؟ " قلت: كعب بن زهير، فقال: "الَّذي يَقولُ ما يَقُولُ؟ " ثم أقبل على أبي بكرٍ فاسْتَنشَدَه الشعر إلى أن قال:

سقاك أبو بكر بكأس روية … وأنهلك المأمور ......

فقال: يا رسول الله، ما قلتُ هكذا، قال: "فَكَيفَ قُلتَ؟ " قال: قلت: وأنهلك المأمون بالنون، فقال رسول الله : "مَأمُونٌ والله" ثم اسْتنشَدني، فأنشدته: [من البسيط]

بانَت سُعادُ فقلبي اليوم متبولُ ............

فلما بلغت إلى قولي:

نُبِّئتُ أنَّ رسولَ الله أَوعَدَني … والعفوُ عندَ رسولِ الله مَأمولُ

فقال رسول الله : "والعفوَ عندَ رسولِ الله مأمولُ"، فلما قلت:

لا تأخذنَّي بأقوالِ الوُشاةِ ولم … أُذنبْ ولو كَثُرتْ فيَّ الأقاويلُ

فقال: "لا"، ثم أعطاني بردته من على كتفيه، فبعتها بعد بعشرين ألفًا (١)، وهي التي اشتراها معاوية، فكانت عند بني أمية، ثم انتقلت إلى بني العباس.

* * *

وفيها: آلى رسول الله من نسائه شهرًا.

واختلفوا في سببه على أقوال:

أحدها: حديث العسل، قالت عائشة رضوان الله عليها: كان رسول الله يحبُّ الحلوى والعسلَ، وكان إذا صلى العصر دار على نسائه، فيدنو منهن، فدخل يومًا على


(١) الخبر في "دلائل النبوة" ٥/ ٢٠٧، وانظر "السيرة" ٢/ ٥٠١.