تَدعون إليه هل تَرجعون عنّا؟ قالوا: نعم، فقال أعيان الفُرس: لا نفعل هذا أبدًا، ونفارق ديننا.
وبات الفُرس يسكّرون العَتيق بالقَصب والتُّراب، فأصبحوا وهم على مواقفهم -وهذا اليوم الأول يُسمّى يوم أَرْماث، وهو اسم بُقعة كان القتال عندها- فجلس رستم على سرير، وضُربت عليه طيَّارة، ورتَّب الصفوف، وكان يَزدجِرد [وضع] على باب إيوانه رجلًا يُبَلِّغه أخبارَ رستم، وآخر على باب القصر، وآخر على باب المدائن، وكذا إلى رستم.
ورتّب سعدٌ المسلمين، ولم يَقدر على الرُّكوب، كان به عِرق النَّسا وحُبون، أي: دَماميل، وكان مُلْقَى على وجهه في صدره وسادة، وهو مُنكَبٌ عليها، ينظر إلى الناس من سطح قصر القادسية، وقَدم على الناس خالد بن عُرْفُطة، فاختلف على خالد جماعةٌ منهم أبو مِحْجَن الثقفي، فقيَّده سعد وحبسه في قصر القادسيّة، وكان هذا اليوم يوم الإثنين سادس رجب.
وأمر سعد خطباء الناس وشعراءهم، مثل: المغيرة بن شعبة وعمرو بن معدي كرب وطليحة بن خويلد وقيس بن هبيرة والشمّاخ والحطيئة وأوس بن مَغْراء أن يقوموا في الناس، فيُذكّرونهم بأيّام اللَّه، ويحرضونهم على القتال، ويُحذّرونهم الفرار، ففعلوا، فكان ما قال قيس بنُ هُبَيرة الأسدي:
أيها الناس، احمدوا اللَّه على ما هداكم، وارغَبوا إليه فيما أبلاكم، فإن الجنة أمامكم، وليس وراء هذا القصر -يعني قصر القادسية- إلا العَراء، والقفار الموحشة، والمفاوز المعطِشة التي لا يَقطعها إلا كلُّ خِرِّيت ماهر بالدّلالة، فاحذروا أن تكونوا طُعمةً لها، ثم ذكر كلُّ واحد فصلًا في هذا المعنى، وفعلت الفُرس كذلك، وتعاهدوا على الموت، وقدّموا مع كلّ فيل أربعة آلاف مُقاتل.
وكانت صفوف الفُرس مع العتيق على شَفيره، وصفوف المسلمين مع حائط قادس، قرية، وقال سعد: اجعلوا العَتيق أمامنا، والخندق من ورائنا، والمسلمون بين العَتيق والخندق.
وكان رُستم مما يلي العراق، وسعد مما يلي الحجاز، والقَنطرةُ بين الفريقين،