للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَبقى على ألسنة العرب، فقال لها أبوها: صدقتِ، ولكني سأختبره لك، ثم صفر لمهره فبال وأدلى، فعمد إلى حَبَّةِ بُرٍّ، فتركها في إحليله وأوكى عليها، ثم نزلوا على الكاهن فأكرمهم، فقال له عُتبة: قد أتيناك في أمر وقد خبأت لك خبيئًا. فقال الكاهن: ثمرة في كَمَرة. فقال: أُريد أبينَ من هذا. فقال. حَبَّةُ بُرٍّ في إحليل مُهر. فقال: صدقتَ، فانظر في أمر هذه النسوة، وكان قد خَرج معها نسوة من بني عبد مناف -فجعل يَمسح على رأس كل واحدةٍ منهن ويقول: قومي لشأنِك، فلم يَبقَ غير هندٍ فقال: تقدمي ومسح على رأسها وقال: قومي غير رَسْحاء ولا زانية، وستلدين ملكًا يقال له معاوية. فقامت، فأخذ الفاكه بيدها، فنترتها منه، وقالت: واللَّه لأَجتهدنَّ أن يكون من غيرك، وفارقته، فتزوَّجها أبو سفيان، فولدت معاوية (١).

وقال الجوهري: الرسحاءُ -بسين وحاء مُهملتين- القليلةُ لحم العَجُز والفخذَين (٢).

قلت: وكانت هند على غير هذه الصفة، [ذكر قصتها الموفق] بغير هذه العبارة، وزاد فيها بأن قال: كانت هند امرأة حازمةً شاعرة، ذات نفسٍ وأَنَفةٍ، فيُروى أنها كانت قبل أبي سفيان عند الفاكه بن المغيرة، وكان من فتيان قُريشٍ، له مجلسٌ يأتيه فيه نُدماؤه، فيدخلون بغير استئذان، فدخلتْه هند يومًا وليس فيه أحدٌ، فنامت فيه، وجاء بعض نُدَماء الفاكه فدخل البيت فرآها نائمة فخرج، فلقيه الفاكهُ خارجًا، فدخل فوجدها نائمةً، فقذفها بالرجل، ثم خرجوا إلى الكاهن، فلما قربوا من الكاهن اصفرَّ لونُها، فقال لها أبوها: إن كنت قد ألممت بذنبٍ فأخبريني حتى أحل هذا الأمر قبل الفضيحة، وذكرها. وفيه: فضرب الكاهنُ بين كتفيها وقال: قومي حصانًا غير زانية (٣).

قال: ولما ولدت معاوية مر بها رجلٌ وهي ترقصه وهو صغير، فقال الرجلُ: إنِّي أراه سيسود قومَه، فقالت هند: ثكلتُه إن لم يَسُد غير قومه (٤).


(١) العقد الفريد ٦/ ٨٦ - ٨٧.
(٢) الصحاح (رسح).
(٣) من قوله: قلت وكانت هند على غير هذه الصفة. . . إلى هنا ليس في (أ) و (خ)، وما سلف بين معكوفين زيادة يقتضيها السياق.
(٤) التبيين ٢١٨ - ٢١٩.