إنك لكريم، فداك أبي وأمي، لقد حاربْتُك فلَنِعْمَ المحارَب كنتَ، وسالمتُك فلَنعم المسالم كنت، فجزاك الله خيرًا.
وأهدى مَلكُ اليمن إلى الكعبة سبعةَ جَزَائرَ أو عشرة، وأمر أن لا يَنْحرها إلَّا سيِّدُ قريش، وكان أبو سفيان قد عَرَّس بهند بنت عُتْبة، وكان من عادتهم أن يُقيموا عند العَروس سبعةَ أيَّام، فقالت هند: أيها الرَّجل، لا يَشغلنّك النساء عن هذه المكرُمَة، وربما فاتت، فقال لها: دعي عنك هذا، فوالله لا يَنْحَرُها غيري، فأقامت في عُقُلها؛ حتَّى خرج في اليوم السابع فنحرها.
ولم يكن في قُريش أشَحّ من أبي سفيان، وشكَتْه هند إلى رسول الله ﷺ قالت: يا رسول الله ﷺ، إن أبا سفيان رجلٌ شَحيحٌ، وليس لي إلَّا ما يدخل بيتي، فقال:"خُذي ما يَكفيك وولدك بالمعروف".
ولما اعتَمر أبو بكر رضوان الله عليه شكى إليه ناسٌ أبا سفيان، فانتَهره، فقال له أبو قُحافة: يا عَتيق، أتَرفع صوتَك على ابنِ حَرْبٍ؟ فقال: يا أبتِ، إن الإسلام هدم بُيوتًا منها بيتُه، وعمر بُيوتًا منها بيتُك.
وقف أبو سفيان بباب عثمان رضوان الله عليه وهو خليفة فحَجَبه، فقيل له: ما كُنَّا نظنُّ أنك تقفُ بباب مَن يَحجُبُك؟! فقال: لا عَدِمتُ من قومي مَن أقفُ ببابه فيَحْجُبُني.
ومات أبو سفيان أعمى، وكان له قائدٌ يقودُه.
زار أبو سفيان ابنَه معاوية بالشام وهو أمير، ومعه ابنُه عُتبة وعَنْبَسة، فَكَتَبَتْ هند إلى ابنها معاوية: احمل أباك على فَرس وأعطِه أربعةَ آلاف درهم، واحمل عُتبة على بَغل وأعطه ألفَي درهم، واحمل عَنْبسة على حمار وأعطه ألف درهم، ففعل معاوية، فقال أبو سفيان: أشهد بالله إن هذا عن رأي هند.
وبعث معاويةُ إلى عمر رضوان الله عليه من الشام بأَدَاهِمَ، وهي القيود، وقال: هذه وَجَدْناها في بعض حُصون الرُّوم، وبعث معها بمال، وقال للرسول: أَوصِلْها إلى أبي سفيان ليُوصِلَها إلى عمر، فبعث أبو سفيان بالقُيود إلى عمر رضوان الله عليه وحبس المال، فلما قرأ عمر رضوان الله عليه الكتاب وفيه ذِكرُ المال استَدعى أبا سفيان،