وعبد الرحمن ﵁ من الطبقة الأولى من المهاجرين الأوَّلين، وأحدُ العشرة المبشَّرين، وأحدُ الستّة المنصوص عليهم في الشُّورى، وأخرج نفسَه من الأمر لعَقله ووَرعه، واجتهد للمسلمين، وهو أحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر رضوان الله عليه.
ولد بعد الفيل بعشرِ سنين، وأسلم قبل أن يَدخل رسول الله ﷺ دارَ الأرقم، وهاجر إلى الحبشة الهجرتَين جميعًا، وقدم من الحبشة إلى مكّة، ثم هاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا وأحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله ﷺ، وثبت معه يوم حُنَين لما انهزمَ النَّاس عنه (١)، وفَداه بنفسه، وصلى رسول الله ﷺ خلفَه في غزاةِ تبوك، وقال رسول الله ﷺ حين صلّى خلفَ عبد الرحمن:"ما قُبضَ نبي قط حتَّى يُصلِّي خلف رجلٍ صالحٍ من أمته"، وبعثه في سرايا، وعَمَّمه بيده.
وقال ابن عمر ﵄: بعث رسول الله ﷺ عبد الرحمن بنَ عَوف في سبع مئة إلى دُومَةِ الجَندل، وذلك في شعبان سنةَ ستٍّ من الهجرة، فنقَض عِمامته بيده، ثم عَمَّمه بعِمامة سوداء، فأرخى بين كَتفيه منها، فقَدِم دُومةَ الجَندل، فدعاهم إلى الإسلام، فأسلم الأَصبْغ بن عمرو الكلبي -وكان نصرانيًّا، وكان رأسَهم فبعث عبدُ الرحمن فأخبرَ رسولَ الله ﷺ بذلك، فكتب إليه أن:"تزوَّجْ تُماضر بنت الأصبغ" فتزوَّجها عبد الرحمن، وبنى بها، وأقبل بها، فهي أمُّ ولده أبي سلمة بن عبد الرحمن.
وآخى رسول الله ﷺ بينه وبين سعد بن الرَّبيع، ولما هاجر من مكّة إلى المدينة نزل عليه في بَلْحارث بن الخَزْرج، وقيل: آخى بينه وبين سعد بن أبي وقاص ﵁، وقيل بينه وبين عثمان بن عفَّان ﵁.
قال أنس: لما قدم عبد الرحمن المدينة آخى رسول الله ﷺ بينه وبين سعد بن الرَّبيع، فقال له سعد: أقاسمُك مالي نِصفَين، ولي امرأتان، أُطلق إحداهما، فإذا انقضَتْ عِدَّتُها تزوجْتَها، فقال: بارك الله لك في أهلك ومالك، دُلَّني على السوق، فدَلَّه على سوق بني قينُقاع، فانطلق فما رجع إلَّا ومعه شيءٌ من أَقِطٍ وسَمْن قد