للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأخرج ابنُ سعدٍ حديثًا يَرفعه ويرويه عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن رسول الله أنَّه قال: "ابنَ عوف، إنك من الأغنياء، ولن تَدخُلَ الجنّةَ إلَّا زَحْفًا، فأقِرضِ الله يُطلِقْ لك قَدميك"، قال ابنُ عوف: وما الذي أُقرض يا رسول الله؟ قال: "تبَرَّأ ممَّا أَمسيتَ فيه"، قال: أمن كُلِّه أجمع؟ قال: "نعم"، فخرج ابنُ عوفٍ وهو يَهُمُّ بذلك، فأرسل إليه رسول الله فقال: "إن جبريل قال: مُرِ ابنَ عوفٍ فليُضِفِ الضَّيفَ، وليُطعِم المسكين، وليُعطي السَّائل، ويبدأ بمَن يَعول، فإنَّه إذا فعل ذلك كان تَزْكيةَ ما هو فيه" (١).

قال المِسور بنُ مَخْرَمَة: باع عبد الرحمن بنُ عَوف أرضًا له من عثمان بأربعينَ ألف دينار، فقسم ذلك المال في بني زُهْرَة وفُقراء المسلمين وأُمّهات المؤمنين، وبعث إلى عائشةَ معي بمالٍ من ذلك المال، فقالت عائشة: أما إنِّي سمعتُ رسول الله يقول: "لن يَحنُوَ بعدي علَيكُنَّ إلَّا الصالحون الصابرون"، سقى الله ابنَ عوفٍ من سَلْسبيل الجنة.

قالت أمُّ سلمة : سمعتُ رسول الله يقول لأزواجه: "إن الذي يُحافظُ عليكنَّ بعدي لَهو الصَّادقُ البارّ"، اللَّهم اسقِ عبد الرحمن بنَ عوفٍ من سَلْسبيل الجنَّة.

وباع عبد الرحمن أمواله من كَيدَمة، وهو سَهْمُه من بني النَّضِير بأربعين ألف دينار، فقسمها على أزواج رسول الله .

وقال الزُّهريّ: تصدَّق عبد الرحمن بنُ عوف على عهد رسول الله بشَطْرِ ماله أربعة آلاف، ثم تصدّق بأربعين ألفًا، ثم تصدقَ بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمس مئةِ فرسٍ في سبيل الله، ثم حمل على ألف وخمس مئةِ راحلة في سبيل الله، وكان عامّةُ أمواله من التجارة، وأعتق ثلاثين ألف بيت.

وأُتي بطعامٍ، وكان صائمًا فقال: قُتل مُصعبُ بنُ عُمَير وهو خيرٌ منّي، وكُفِّن في بُرْدة؛ إن غُطِّي رأسُه بَدتْ رجلاه، وإن غُطِّي رجلاه بدا رأسُه، وقُتل حمزة وهو خيرٌ مني، فلم يُوجَد له ما يُكَفَّن فيه إلَّا بُرْدة، ثم بُسِط لنا من الدُّنيا ما بُسِط، وقد خشينا أن تكونَ حَسناتُنا عُجّلَتْ لنا، ثم جعل يبكي وترك الطَّعام (٢).


(١) طبقات ابن سعد ٣/ ١٢٢.
(٢) أخرجه البُخاريّ (٤٠٤٥).