للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر خلافته:

اتّفق علماءُ السِّيَر على أنَّه وَلي الخلافة في ذي الحجَّة سنةَ خمسٍ وثلاثين في الأصح، وإنَّما اختلفوا في أيِّ يوم بُويع فيه على أقوال؛ أحدها: يوم الجمعة لخمسٍ بقين من ذي الحِجَّة، قاله ابن الكلبي، وحكاه الطبري عن سيف بن عمر عن أشياخه.

والثاني: يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة، رواه أبو بكر بن أبي الدُّنيا عن أشياخه.

والثالث: يوم السبت صَبيحةَ اليوم الذي قتل فيه عثمان، قاله الواقدي.

والرابع: يوم الأحد لثلاث عشرة أو ثمان عشرة بقين من ذي الحجة.

والأصح ما ذكره الواقدي، فإن ابن سعد قال في "الطبقات" (١): قُتل عثمان يوم الجمعة لثمان عشرة ليلةً من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وبُويع لعلي في الغد من اليوم الذي قُتل فيه عثمان.

وروى سيف عن أشياخه: محمد بن عبد الله بن سَواد، وطلحة بن الأعلم، وأبو حارثة قالوا: بقيت المدينةُ شاغِرةً خمسةَ أيَّام من إمام، وأميرُها الغافقي بن حرب، وهم يلتمسون مَن يُجيبُهم إلى القيام بالأمر فلا يَجدونه، فأتى المصريون عليًّا، فاختبأ منهم، وخرج إلى ظاهر المدينة، ولاذ بحيطانها، وتبرَّأ منهم، وتبعه المصريّون فلم يَقدروا عليه. وطلب الكوفيون الزّبير فتباعد منهم، وطلب البصريّون طلحة فتبرَّأ منهم، فعدلوا عن الثلاثة، وبعثوا إلى سعد بن أبي وقاص وقالوا: أنت من أهل الشُّورى، فأقبلْ نُبايعك، فرأيُنا قد اجتمع عليك، فبعث إليهم: قد خرجتُ أنا وابنُ عمي منها فلا حاجة لي فيها، ثم تمثَّل وقال: [من البسيط]

لا تخلِطنَّ خبيثاتٍ بطيِّبةٍ … واخلع ثيابَك منها وانجُ عُريانا

قال سيف: ولما عرضوها على طلحة قال: [من الطَّويل]

ومن عَجَبِ الأيَّام والدهرِ أنني … بَقيتُ وحيدًا لا أُمِرُّ ولا أُحلي


(١) ٣/ ٢٩، وانظر الأخبار السابقة في تاريخ الطبري ٤/ ٤١٥ - ٤١٨، والمنتظم ٥/ ٦٥ - ٦٦، وتاريخ بغداد ١/ ١٣٥.