للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان يوم الخميس على خمسة أيَّام من مقتل عثمان؛ هرب من بني أميَّة مَن أطاق الهرب إلى مكّة، فيهم مروان وسعيد وغيرهما، فقالوا أهلُ مصر لأهل المدينة: أنتم أهل الشورى، وأنتم تَعقدون الإمامة، وأمرُكم جائز على الأمة، فانظروا رجلًا تُنصّبونه، ونحن لكم تَبع، فقال الجمهور: نحن بعليٍّ راضون، فبايعوه.

وقال هشام: وقد قيل إن الزُّبير لم يُبايع، وليس كما زعموا بل بايع.

وقال سيف: حدثني محمد بن قيس، عن الحارث الوالِبيّ قال: جاء حكيم بن جبلة بالزبير حتَّى بايع؛ فكان الزُّبير يقول: جاءني لُصوص عبد القيس فبايعتُ واللّجُّ على عُنقي، يعني السيف.

وحكى الطبري أيضًا عن عمر بن شَبَّة بإسناده إلى محمد بن الحنفية قال: كنتُ مع أبي حين قُتل عثمان، فأتاه أصحابُ النَّبيِّ فقالوا: إن هذا الرجل قد قُتل، ولا بدَّ للناس من إمام، ولا نَجدُ أحدًا اليوم أحقَّ بهذا الأمر منك؛ لا أقدمَ سابقةٌ، ولا أقربَ إلى رسول الله ، فقال: لا تفعلوا، فقالوا: والله ما نحن بفاعِلين حتى نُبايعَك، قال: ففي المسجد، فإن بيعتي لا تكون إلَّا عن رِضى المسلمين، فدخل المهاجرون والأنصار فبايعوه، ثم تتابع النَّاس (١).

وقال في "نهج البلاغة": إن عليًّا كرّم الله وَجهه قال لهم: دَعوني والتمسوا غيري، فإنا مُستقبلون أمرًا له وجوه، وأسبابًا لا تقوم لها القلوب، ولا تثبتُ علها [العقول]، إن الآفاق قد أغامت، والمحجَّة قد تنكَّرتْ، وإني [إن] أحببتُكم ركبتُ بكم ما أعلم، ولم أُصغِ إلى قولِ قائلٍ، وعيبِ عائب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلّي أسمعُكم وأطوعُكم لمن تُولُّونه أمرَكم، وأنا لكم وزيرٌ خيرٌ مني لكم أمير (٢).

قال الجوهري: يقال غامت السماء وأغامت؛ أي: تغيَّمت (٣)، ومعناه: أن الآفاق قد أظلمت بالفِتَن.

واختلفوا في أول من بايعه؛ فقال الواقدي: أول مَن بايعه طلحة بن عُبيد الله


(١) تاريخ الطبري ٤/ ٤٢٩، وانظر: ٤٢٧.
(٢) شرح نهج البلاغة ٧/ ٢٠.
(٣) الصحاح: (غيم).