قال هشام بن محمد، عن أبيه قال: لما بويع علي ﵇ صَعِد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، وقال: يا أيها النَّاس، إن الله أنزل كتابًا هاديًا؛ بيَّنَ فيه الخير والشر، فخُذوا بالخير، ودَعوا الشرّ، وامتَثِلوا الأوامر تُؤدّيكم إلى الجنة، واجتنبوا النّواهي لئلا تُؤذيكم إلى النَّار.
ذكر أول ما بدأ به بعد البيعة:
قال هشام ومَن سمَّينا، ورواه سيف بن عمر، عن سليمان بن أبي المغيرة، عن عليّ بن الحسين، دخل حديثُ بعضهم في حديث بعض، قالوا: لما استقرَّت له البيعةُ اجتمع إليه المهاجرون والأنصار وقالوا: إن هؤلاء القوم قد اشتركوا في دم هذا الرجل، يعنون عثمان، فماذا ترى؟ فقال: يا إخوتي، لستُ أجهل ما قلتُم، ولكن كيف أمتنعُ بقومٍ يَملكوننا ولا نَملكُهم، وقد ثار معهم أعداؤكم وعُبدانكم، وثابت إليهم الأعرابُ من كلِّ أُفُقٍ، وهم خِلالكم يَسومونكم ما شاؤوا، فهل تَرون مَوضعًا للقُدرة على شيءٍ ممَّا تُريدون؟ قالوا: لا، قال: فالصَّبرَ الصَّبر؛ حتَّى تهدأ النَّاس، ويتفَرّقوا عنهم، وننظر ما يكون، قالوا: نعم، ثم أمر مُنادِيه فنادى: بَرئت الذمَّةُ من الأعراب الذين بالمدينة إن لم يَخرجوا إلى مياههم، ومن عبدٍ لا يَرجع إلى مواليه، فتَذَمَّرت السَّبَئيَّةُ، وخرجت الأعرابُ إلى مياهها، ورجعت العبيدُ إلى مَواليها، فدعى عليّ طلحة والزبير وأعيانَ الصّحابة، وقال: دونكم الآن وعَدُوّكم فخذوا ثأرَكم، فتقاعدوا وخافوا، فأنشد:[من الطويل]
ولو أنّ قومي طاوَعَتْني سَراتُهم (١)
وقال له طلحة: دَعْني آت البصرة، فلا أَفجؤك إلَّا بالخيل، وقال له الزُّبير: دعني آت الكوفة فلا أفجؤك إلَّا بالخيل، فقال: الأناةَ الأناة حتَّى أنظرَ في أمري.
(١) تمامه: أمرتهم أمرًا يُديخ الأعاديا، وهو في تاريخ الطبري ٤/ ٤٣٨، وسلف قريبًا.