قال علماء السير منهم سيف بن عمر قالوا: دخل المغيرة بن شُعبة على أمير المؤمنين عقيب البيعة فقال له: إن لك حقَّ الطباعة والنّصيحة، وإن الرأيَ اليوم تُحرِزُ به ما في الغد، وإن الضَّياع اليوم تُضيّع به ما في الغد، أَقِرَّ معاوية وابنَ عامر على عملهما، وعمالَ عثمان على أعمالهم، حتَّى إذا أتَتْك طاعتُهم وبيعةُ الجنود استَبْدَلْتَ أو تركتَ، فإنَّك إذا أرسلتَ إليهم بعُهودهم مَهدوا البلاد، وسَكّنوا العباد، فقال له: والله لو كانت ولايتي ساعة من نهار لا وَلَّيتُهم وأمثالهم على المسلمين.
فخرج المغيرةُ من عنده، فلما كان من الغَد دخل عليه فقال: قد كنتُ أشرتُ عليك أمسِ برأيٍ، وقد رأيتُ اليومَ غيرَه؛ وهو أن تُبادِرَهم بالعَزْل ليُعرفَ المطيعُ من المخالف، ويُستقبَل أمرُك.
قال سيف: ثم خرج المغيرة من عنده، فاستقبله ابنُ عباس داخلًا -وقد كان ابنُ عباس على الحجِّ، أمَّره عثمان- فقال له: رأيتُ المغيرة خارجًا من عندك؟! فقال: جاءني بالأمس بذيَّة وذَيَّة، وجاءني اليوم بذَيَّة وذَيَّة.
وفي رواية هشام بن محمد عن أبيه قال: قَدِم ابنُ عباس المدينة بعد خمسةِ أيَّام من قتل عثمان، فوجد النَّاس يُبايعون عليًّا؛ وقد خرج المغيرة بن شعبة من عنده، فقال له ابن عباس: ما يصنع هذا الدَّاهيةُ عندك؟ فأخبره بما قال، فقال: أمّا أمسِ فقد نَصَحك، وأمَّا اليوم فقد غشَّك، قال: فما الرّأي؟ قال: كان الرأيُ قبل اليوم أن تخرج حين قُتل الرجل، فتأتيَ مكّة، فتدخُلَ دارَك، وتُغلقَ بابَك، فإن كانت العربُ لجائِلةً ومُضطرِبةً في أثرك فلا تَجدُ غيرَك، وأمَّا اليوم فإن بني أميَّة يَطلبون بدم الرَّجل، وسيُلزمونك إياه، ويُموِّهون على النَّاس.
وقال الواقدي: حدثني ابن أبي سَبْرة، عن عبد المجيد بن سُهيل، عن عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة، عن ابن عباس قال: دعاني عثمان، فاستعملني على الحج، فأقمتُ للناس الحج، ثم قدمتُ المدينةَ وقد بويع لعلي، فأتيتُه في داره، فوجدتُ عنده المغيرة بن شُعبة مُستخْلِيًا بَه، فحبَسَني حتَّى خرج من عنده، فدخلتُ فقلتُ له: ما قال لك؟ فقال: قال لي مرَّةً قَبل هذه: أرسل إلى ابن عامر ومعاوية وعمالِ عثمان بعُهودهم،