جيشَ ذي المروة وذي خُشُب والأَعْوص مَلعون على لسان محمد ﷺ، فارجعوا لا صَحِبكم الله، قالوا: نعم وانصرفوا على ذلك.
وأتى البصريون طلحة، وقد أرسل ابنه محمدًا على عثمان، فعرضوا له، فصاح بهم، وقال لهم مثلَ ما قال علي، وأتوا الزبير وقد سرّح ابنه عبد الله إلى عثمان، فردّ عليهم كذلك، فانصرفوا إلى عساكرهم مُظهرين الرجوع إلى أمصارهم، حتى تَفرَّق أهل المدينة، ويَكُرُّوا، فتفرَّق الناس، فلم يَشعروا إلا بالتكبير في جوانب المدينة، فأحاطوا بعثمان والمسجد، ونادى مُناديهم: مَن كفَّ يدَه فهو آمن.
وصلّى عثمان بالناس أيامًا، ولزم الناس بيوتَهم، وجاءهم علي فقال: ما رَدَّكم بعد ذهابكم؟ فقالوا: وَجْدنا مع بريدٍ كتابًا بقتلنا، وقال البصريون لطلحة مثل ذلك، والكوفيون للزبير كذلك، قال: فقالوا: لا حاجةَ لنا في هذا الرَّجل، فليَعْتَزِلنا، وثبتوا على ذلك، وعثمان مع هذا يُصلّي بهم، ويَغشى عثمان من شاء منهم، وهم أحقرُ في عينه من التُّراب.
وكتب عثمان إلى عماله يَستَمدُّهم ويقول: قد أغار الأعداء علينا في جِوار رسول الله ﷺ ودارِ الهجرة، وتحزَّبوا كما تَحزَّبت الأحزاب، فالوَحا الوحا، فبعث معاوية حَبيبَ بن مَسلَمة الفِهريّ، وبعث ابن أبي سَرْح معاوية بن حُدَيج السَّكوني، وبعث أبو موسى من الكوفة القعقاع بن عمرو، فساروا نحو المدينة.
وذكر هشام بن الكلبي، عن أبيه قال: لما رأى عثمان ما قد نزل به ومَسيرَ الناس لقتله، كتب إلى معاوية: إن أهلَ المدينة قد كفروا وخلَعوا الطاعة، فابعث إليَّ مِن قِبلك من أهل الشام من المقاتِله على كلِّ صَعْبٍ وذَلول.
فلما وَقف معاوية على كتابه تربّص عليه، وكره مُخالفةَ أصحاب رسول الله ﷺ؛ وقد علم اجتماعهم عليه، فلما أبطأ جوابُه كتب إلى يزيد بن أسد والي أهل الشام يَستنفرهم، ويُعظّم حَقَّه عليهم، ويذكر ما يَجب من طاعته، ويقول في آخر كتابه: فإن كان عندكم غِياث فالعَجَل العَجَل، فنفر يزيد في أهل الشام.
وكتب عثمان إلى ابن عامر بالبصرة مثل ذلك، فقرأ ابن عامر كتابَه على أهل البصرة، فأجابوا إلى قتال مَن قصد عثمان، وأول مَن تكلَّم يومئذ مُجاشع بن مسعود