المِسوَر قال: كان عمرو بن العاص عاملًا لعثمان بمصر على الخراج، فعزله عن الخراج، واستعمله على الصلاة، واستعمل عبد الله بن سعد على الخراج، ثم جمعَهما لعبد الله بن سعد.
فلما قدم عمرو بن العاص المدينة جعل يَطعن علي عثمان، فأرسل إليه عثمان يومًا وكان خاليًا، فجاءه فقال: يا ابن النابغة، ما أسرع ما [قَمِل جُرُبَّانُ] جُبَّتك، إنما عَهدُك بالعمل عامَ أوَّل، أتطعن عليَّ، وتأتيني بوَجهٍ وتَذهبُ عني بآخر؟! والله لولا الله لفعلتُ وفعلتُ، فقال له عمرو: اتّقِ الله يا أمير المؤمنين، فإن كثيرًا مما يَنقل الناسُ إلى وُلاتهم باطل.
فقال له عثمان: والله لقد استعملتُك على ظَلَعِك وكَثرةِ القالة فيك، فقال عمرو: قد كنتُ عاملًا لعمر بن الخطاب قَبلَك، ففارقَني وهو عني راضٍ، فقال له عثمان: والله لو أخذتُك بما أَخَذك به عمر لاستقمتَ، ولكنني لِنتُ لك، فاجترأتَ عليّ، أما والله لأنا أعزُّ منك نَفرًا في الجاهلية، وقبل أن ألي هذا السُّلطان.
فقال له عَمرو: دع عنك هذا، إن الإسلام قد جَمعنا، فالحمد لله الذي هدانا بمحمد وأكرمنا به، قد رأيتُ العاص بن وائل ورأيتُ أباك عفّان، فوالله لَلعاص كان أشرفَ من أبيك، فانكسر عثمان وقال: ما لنا ولذِكر الجاهلية.
ثم خرج عمرو ودخل مروان فقال: يا أمير المؤمنين، قد بلغتَ مَبلغًا يَذكر عمرو بنُ العاص أباك! فقال عثمان: دع هذا عنك، مَن ذكر أبا الرجل ذكر أباه.
وخرج عمرو من عند عثمان وهو حَنقٌ عليه، فأتى عليًّا فألّبه على عثمان، وأتى طلحة والزبير ففعل كذلك، وجعل يتعرَّض للحاج، فيُخبرهم بما أحدث عثمان، فلما كان الحصار الأول خرج عمرو من المدينة، فنزل فلسطين بمكان يقال له: السَّبْع، في قصرٍ يقال له: العَجلان، وجعل يقول: العجب مما يأتينا عن ابن عفان.
قال: فبينا هو جالسٌ في القصر ومعه ابناه محمد وعبد الله وسلامة بن رَوْح الجُذاميّ؛ إذ مرَّ بهم راكب، فناداه عمرو: من أين قَدِم الرجل؟ قال: من المدينة، قال: ما فعل الرجل -يعني عثمان؟ قال: تركتُه محصورًا شديد الحصار، فقال عمرو: الله أكبر، أنا أبو عبد الله، قد يَضْرُطُ العَيرُ والمِكواةُ في النَّار (١).
(١) انظر جمهرة الأمثال ٢/ ١٢٣، ومجمع الأمثال ٢/ ٩٥.