للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلم يبرح مجلسَه حتى مرَّ به راكبٌ آخر، فناداه عمرو: ما فعل الرجل؟ قال: قُتل، قال: الله أكبر، أنا أبو عبد الله، إذا حَككتُ قَرحةً نَكأتُها، إن كنتُ لأُحرِّضُ عليه حتى الراعي في غنمه في شواهق الجبال.

فقال له سلامة بن رَوْح الجُذاميّ: يا معاشر قريش، إنه قد كان بينكم وبين العرب بابٌ وَثيقٌ فكسرتُموه، فما حملكم على ذلك؟ فقال: أردْنا أن نُخرجَ الحقَّ من خاصرة (١) الباطل، وأن يكون الناس في الحقِّ شَرَعًا سواء.

وكانت عند عمرو يومئذ أمُّ كلثوم بنت عُقبة بن أبي مُعَيط، أخت عثمان لأمِّه، ففارقها حين عَزله عثمان.

فقال أبو القاسم السِّمناني: أوَّلُ رجلٍ لَقيه عمرو قال له: ما اسمُك؟ قال: حرب، قال: حورب والله الرجل، وسأل الثاني فقال: ما اسمُك؟ فقال: مقتول، قال: قُتل الرجل، ثم قال: ما وراءك؟ قال: وَلَّوا ابن أبي طالب، فقال: جاءنا والله شرٌّ من الذي ذهب.

وقال الواقدي: حدثني شُرحبيل بن أبي عَون، عن أبيه قال: سمعتُ عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يَغوث يقول: قبَّح الله مروان بن الحكم، خرج عثمان إلى الناس فأعطاهم الرِّضا، وبكى على المنبر، وبكى الناسُ حتى نظروا إلى لحية عثمان مُخضلَّةً بالدُّموع، وهو يقول: اللهمَّ إني أتوب إليك -ثلاثًا- والله، لو رَدَّني الحق إلى أن أكون عبدًا لأرضيَنَّ به، إذا دخلتُ إلى منزلي فادخلوا عليَّ، فوالله لا أحتجبُ منكم، ولأُعطينّكم الرِّضا، ولأزيدنّكم على الرِّضا، ولأُنَحِّيَنَّ مروان وذريته (٢).

قال: فلما دخل أمر بالباب ففُتح، ودخل عليه مروان، فلم يزل يَفتِلُه في الذِّروة والغارب حتى ألفته عن رأيه، وأزاله عما كان يُريد أن يفعل، فلقد مكث عثمان ثلاثةَ أيام لا يَخرج حياءً من الناس، وخرج مروان إلى الناس فقال: شاهَت الوجوه، ارجعوا إلى منازلكم، فإن يكن لأمير المؤمنين حاجةٌ إلى أحدٍ منكم يُرسل إليه، وإلا قَرَّ في بيته.

قال عبد الرحمن: فأتيتُ عليًّا وهو بين القبر والمنبر، وعنده عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر، وهما يقولان: صَنع مروان بالناس وصَنع وصَنع، فقال لي علي:


(١) في الطبري ٤/ ٣٥٧: حافرة.
(٢) في الطبري ٤/ ٣٦٣: وذويه.