حَضرتَ خُطبةَ عثمان؟ قلتُ: نعم، قال: أفحضرتَ مقالةَ مروان للناس؟ قلتُ: نعم، فقال علي: إن قعدتُ في بيتي قال: تركتَني وقرابتي وحقِّي، وإن تكلَّمتُ فجاء بما يريد يَلعبُ به مروان كيف أراد، ويَسوقه حيث شاء، بعد كِبَر السنِّ وصُحبةِ رسول الله ﷺ.
قال عبد الرحمن: فلم يقم عليّ حتى جاء رسول عثمان يقول: ائتِني، فقال علي بصوتٍ مُرتفعٍ مغضبًا: قل له ما أنا بداخل عليك، ولا عائدٍ إليك، قال: فانصرف الرسول، فلقيتُ عثمان بعد ذلك بليلتين جائيًا، فسالتُ غُلامَه: من أين جاء؟ فقال: كان عند علي.
قال عبد الرحمن: فغدوتُ على عليّ فقال: جاءني عثمان البارحة، فجعل يقول: إنني غيرُ عائدٍ، وإني فاعل كذا وكذا، فقلتُ له: أبعد ما تكلَّمتَ على منبر رسول الله ﷺ، فأعطيتَ من نفسك، ثم دخلتَ بيتك، وخرج مروان إلى الناس يَشتمهم على بابك، ويؤذيهم وأنت تَسمع، قال: فرجع وهو يقول: قطعتَ رَحِمي، وخذلتَني، وجرَّأتَ الناس عليّ، فقلتُ: والله إني لأذبُّ الناس عنك، ولكن كلما جئتُك بهَنَةٍ أظنُّها لك رضًا سمعتَ قولَ مروان، واستدخلتَ مروان، ثم لم يزل علي حتى أدخل الرَّوايا على عثمان.
وقال أحمد بإسناده عن محمد بن عبد الملك بن مروان، أنه حدثه عن المغيرة بن شعبة: أنه دخل على عثمان وهو محصور فقال له: إنك إمامُ العامّة، وقد نزل بك ما ترى، وإني أَعرضُ عليك خصالًا ثلاثًا اختر إحداهُنّ: إما أن تَخرج فتُقاتلَهم، فإن معك عَددًا وقوَّة، وأنت على الحق وهم على الباطل، وإما أن نَخرق لك بابًا سوى الباب الذي هم عليه، فتَقعُدَ على رَواحِلك، فتَلحقَ بمكة، فإنهم لن يَستَحِلُّوك وأنت بها، وإما أن تَلحقَ بالشام، فإنهم أهلُ الشام، وفيهم معاوية.
فقال عثمان: أمّا أن أخرجَ فأُقاتلْ، فلن أكونَ أوَّلَ مَن خَلَف رسولَ الله ﷺ في أمته بسفك الدِّماء، وأمّا خُروجي إلى مكة فإنهم لن يَستَحلُّوني بها، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول:"يُلحِد رجلٌ في الحَرم من قريش أو بمكة، يكونُ عليه نصفُ عذاب العالم"، وأمّا أن ألحَقَ بالشام، فلن أُفارقَ دارَ هجرتي، ومجاوَرةَ رسول الله ﷺ(١).