للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هؤلاء رؤساؤه لأمرُ سوء (١).

وقال محمد بن إسحاق: كتب أهلُ مصر من ذي خُشُب، وكتب أهلُ المدينة إلى عثمان، لا نَرضى منك إلا بالتوبة، والرجوعِ عما أنت عليه، فلما خاف القتل شاور بني أمية فقالوا: الرأيُ أن تبعثَ إليهم عليًّا، فيَرُدَّهم ويعطيهم ما يطلبون، ويُطاولهم مُدّة، فقال: إن القوم لن يَقبلوا التعليل، ومتى أعطيتُهم ذلك سألوني الوفاءَ به، وقد أعطيتُهم في الأول عهدًا ولم أفِ لهم به، فقال له مروان: إنما هم بُغاةٌ، ولا عهدَ لهم، فطاولْهم مُدَّةً إلى أن تأتيك الأمداد.

فدعا عليًّا وقال له: يا أبا الحسن، إنه قد كان من أمر الناس ما رأيتَ، ولستُ آمنُهم على قتلي، فارددْهم عني، ولله عليَّ أن أُعطيَهم كلَّ ما يَطلبون، وأُزيل عنهم ما يَكرهون مني ومن غيري، وإن كان في ذلك سَفْكُ دمي.

فقال له علي: الناسُ إلى عَدْلك أحوجُ منهم إلى قَتْلك، وقد كنتَ أعطيتَهم في قَدمَتهم الأولى عهدًا لتَرجعَنَّ عن جميع ما نقموا عليك، فرددتَهم عنك، ثم لم تفِ لهم بشيء من ذلك، فلا تَغُرّني في هذه المرة كما فعلتَ، ووالله لئن أعطيتَهم الحقّ لأفينَّ لهم (٢).

ثم خرج عليّ إلى الناس فقال: إن عثمان قد زعم أنه مُنصِفُكم من نفسه ومن غيره، وراجعٌ عن جميع ما تكرهون، فقالوا: قد قبلنا ورضِينا، فاستوثِقْ لنا منه، فإنّا والله لا نَرضى بقولٍ دون فعل، فعاد إليه فأخبره، فقال عثمان: اضرب بيني وبينهم أجلًا يكون لي فيه مُهلة، فإني لا أقدِرُ على ردِّ ما كَرهوا في يوم واحد، فقال له علي: ما كان حاضرًا بَالمدينة لا أجلَ فيه، وما غاب فأجَلُه وصولُ أمرِك. فقال: نعم، ولكن أجِّلني فيما كان في المدينة ثلاثةَ أيام، قال علي: نعم، وخرج إلى الناس فأخبرهم بذلك فرَضُوا، وكتبوا بينهم وبينه كتابًا أجَّلوه ثلاثة أيام؛ على أن يَردَّ كلَّ مَظلمة، وَيعزِلَ كلَّ عاملٍ كرهوه، وأخذ عليه في الكتاب أعظمَ ما أخذ الله على أحدٍ من خلقِه من عهدٍ


(١) الأخبار السالفة في طبقات ابن سعد ٣/ ٦٧ - ٦٨.
(٢) في الطبري ٤/ ٣٧٠: فلا تغرني … فإني معطيهم عليك الحق، قال [يعني عثمان]: نعم فأعطهم، فوالله لأفينّ لهم.