فكفَّ المسلمون عنه، ورَجَوا أن يَفيَ لهم من نفسه بما أخذوا عليه، فجعل يَتأهَّبُ للقتال، ويَستعدُّ بالسلاح، وقد كان اتّخذ عَبيدًا [من رقيق] الخُمْس، فلما مضت الأيامُ الثلاثة -وهو على حاله لم يردّ مَظلمة، ولم يَعزل عاملًا، ولم يُغيِّر شيئًا مما يَكرهون- ثار به الناس.
وخرج ابن حَزْمٍ الأنصاري، فأتى المصريّين بذي خُشُب، فأخبرهم الخبر، فدخلوا المدينة، وأرسلوا إلى عثمان: ألم تُعطِنا عهدَ الله على إزالة ما نكره، وأنك تائبٌ من إحداثك؟ وأين العهود والمواثيق؟ وكانوا قد وجدوا كتابَه إلى ابن سعد بقتلِهم، فلما بعثوا إلى عثمان بهذا قال: بلى، وأنا مقيمٌ على ذلك، قالوا: فما هذا الكتاب، وما هذا الفعل؟ فقال: الخَطُّ قد يُشبه الخط، والجمل فيُسرق، قالوا: فقد رضينا وقَبِلنا عُذرَك، من الآن فاردُد المظالم، واعزِلْ عُمَّالك، واستعمل علينا مَن لا نتَّهمه في أموالنا وحَريمنا ودمائنا، فقال عثمان: فما أُراني إذن في شيءٍ إن كنتُ أستعمِل مَن هَويتم، وأعزِل مَن كَرِهتُم، فقالوا: والله لنَقتُلَنّك، فحصروه أَربعين ليلة، وطلحةُ يُصلّي بالناس، ثم قتلوه.
وقال ابن سعد بإسناده عن أبي جعفر محمد بن علي قال: بعث عثمان إلى عليّ يَدعوه وهو محصور في الدار، فأراد أن يأتيَه، فتعلَّقوا به ومنعوه، قال: فحلَّ عمامةً سوداءَ عن رأسه وقال: اللهمَّ لا أرضى قتلَه ولا آمُر به، يُكرّرها.
وفي رواية ابن سعد، عن أبي فَزارة العبسيّ قال: فقام عليّ ليأتيه؛ فقام بعض أهله فمنعه، وفي رواية: فقام بنو هاشم فمنعوه وقالوا: أما تَرى إلى ما بين يديك من الكتائب؟ لا تَخلُصُ إليه أبدًا، فنقض علي عِمامته، ورمى بها إلى رسول عثمان وقال: أخبِرْه بالذي رأيتَ، ثم خرج عليّ من المسجد حتى انتهى إلى أحجار الزيت في سوق المدينة، فأتاه قتلُه فقال: اللهمَّ إني أبرَأُ إليك من دمه [أن أكون قَتلتُ]، أو أكونَ ما لأتُ على قتلِه (١).