المصحف، حتى وقف الدَّمُ عند قوله تعالى: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: ١٣٧]، وأطبق المصحف، وضربوه جميعًا ضربةً واحدة فقتلوه، ولقد كان يُحيي الليلَ في ركعة، ويَصلُ الرَّحم، ويُطعم الملهوف، ويَحمل الكَلّ، فرحمه الله.
وقال ابن سعد عن الزهري قال: قُتل عثمان عند صلاةِ العصر، وشدَّ عبدٌ لعثمان أسود على كِنانه بن بِشر فقتله، وشدَّ سُودان على العبد فقتله، ودخلت الغَوغاء دار عثمان، فصاخ إنسانٌ منهم: أيَحِلُّ دمُ عثمان ولا يحلُّ مالُه؟ فانتهبوا مَتاعَه، فقامت نائلة وقالت: لُصوص وربِّ الكعبة، أعداءَ الله، ما ركبتُم من دم عثمان أعظم، أما والله لقد قتلتموه صوَّامًا قوَّامًا، يَقرأ القرآن في ركعة واحدة، ثم خرج الناس من دار عثمان، وأُغلق بابُه على ثلاثةٍ قُتلوا: عثمان، وعبد عثمان، وكنانة بن بشر.
وقال ابن سعد بإسناده ويزيد بن هارون قالا: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن يَعلى بن حكيم، عن نافع قال: أصبح عثمان بن عفان يوم قُتل يَقُصُّ رؤيا على أصحابه رآها، قال: رأيتُ رسولَ الله ﷺ البارحةَ فقال لي: يا عثمان، أفطِرْ عندنا، قال: فأصبح صائمًا، وقُتل في ذلك اليوم.
وفي رواية ابن سعد: نام عثمان يوم الجمعة، وأتيتُه فقال: رأيتُ رسولَ الله ﷺ في منامي هذا فقال: إنك شاهدٌ فينا الجمعة.
وفي رواية ابن سعد أيضًا، عن نائلة قالت: أغفى عثمان، فلما استيقظ قال: إني مقتول، فقلت: كلا يا أمير المؤمنين، قال: إني رأيتُ رسولَ الله ﷺ وأبا بكر وعمر فقالوا: أفطِرْ عندنا الليلة، أو قالوا: إنك تُفطر عندنا الليلة.
وقال ابن سعد بإسناده، عن محمد بن سيرين قال: لما أحاطوا بعثمان ودخلوا عليه ليقتلوه قالت امرأتُه: إن تَقتلوه أو تَدَعوه فقد كان يُحيي الليلَ بوكعةٍ يَجمع فيها القرآن.
وقال ابن سعد فيما رواه، عن عطاء بن أبي رباح: أن عثمان بن عفان صلّى بالناس، ثم قام خلف المقام فجمع كتاب الله في ركعة كانت وتره، فسُمَيت البُتَيراء (١).
قلت: وهذا حاصل ما ذكره ابن سعد في "الطبقات" في مَقتل عثمان.