فقال عثمان بن حُنيف: إنا لله وإنا إليه راجعون، دارت رحا الحرب على الإسلام وربّ الكعبة، ثم قال لعمران بن حُصين: ما ترى؟ قال: إني قاعِدٌ فاقعُدْ، فقال عثمان: لا والله، بل أمنعُهم حتى يأتيَ أميرُ المؤمنين، فقال عمران: بل يَحكم الله بما يُريد.
ثم انصرف عمران إلى بيته، وقام عثمان في أمره، فأتاه هشام بن عامر فقال له: إن هذا الأمر الذي تَرومُ يصير إلى ما تَكره، وإن هذا فَتْقٌ لا يُرتَق، وصَدْعٌ لا يَنْجَبر، فسامِحْهم حتى يأتيَ أمرُ علي ولاتحادّهم، فقال: لا والله.
ونادى عثمان بن حُنَيف في الناس، فلبسوا السلاح، واجتمعوا إلى المسجد الجامع، وأراد عثمان أن يَختبر أهلَ البصرة، فدسَّ رجلًا كوفيًّا خُدَعة فقال: أيّها الناس، أنا ابنُ العَقَديّة الحُميسي، إن هؤلاء القوم إن كانوا جاؤوكم خائفين، فقد جاؤوكم من المكان الذي تأمَنُ فيه الطيرُ والوحش، وإن كانوا طالبين بدم عثمان فما نحن قَتَلَة عثمان، أطيعوني ورُدُّوهم من حيث جاؤوا.
فقام الأسود بن سريع السَّعديّ فقال: أوَ زعموا أنّا قتلةُ عثمان؟! إنما جاؤوا إلينا -أو فَزِعوا إلينا- يَستعينون بنا على قَتَلةِ عثمان، ثم حَصَب الناسُ ابن العَقَديّة وتحاصبوا، فعرف عثمان أن لهم بالبصرة ناصرًا ممن معه، فكسره ذلك.
وأقبلت عائشة ومَن معها حتى انتَهوا إلى المِرْبَد، فدخلوا من أعلاه، وأمسكوا ووقفوا، حتى خرج عثمان ومَن معه، وخرج إلى عائشة من أهل البصرة مَن أراد.
وتكلَّم طلحة، وكان في مَيمنة المِرْبَد، وعثمان بن حُنَيف في ميسرته يَسمع، وأنصت الناس، فحمِد اللهَ طلحةُ وأثنى عليه، وذكر عثمان وفضْلَه، والمدينةَ وما استحلَّ منها، ودعا إلى الطّلَب بدمه وقال: الخليفةُ المظلوم، وإن الطلبَ بدمه حدٌّ من حدود الله، فإن فعلتم أصبْتُم وعاد أمرُكم، وإن لم تفعلوا لم يَقُم لكم [نظام]، ولم يَثبُت لكم سُلطان، فقال مَن في مَيمنة المِربد: صدق وبَرّ، وقال مَن في مَيسرته: كذب وفَجَر وغَدرَ.
وفي رواية أن طلحة والزبير خطبا وقالا ذلك، وأن مَن في ميمنة المِربد قال: صدقا وبرَّا، ومَن في ميسرته قال: كذَبا وفجرا وغَدَرا، إنهما قد بايعا أمير المؤمنين وجاءا يقولان ما يقولان.