للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم تحاصَب الناس وأرهجوا، فتكلَّمت عائشة وكانت جَهْوَريّة الصوت، فحمدت الله وأثنت عليه، وقالت: كان الناس يَتجنَّون على عثمان ويزرُون على عُمّاله، ويأتوننا بالمدينة فيَستشيروننا فيما يُخبروننا عنهم، فننظر في ذلك، فنجد عثمان برًّا نقيًّا وفيًّا، ونجدهم فَجَرةً غَدَرةً كَذَبة، فلما قَوُوا على المكاثرة اقتحموا عليه داره فقتلوه، وإن مما ينبغي لكم أخذ قَتَلَته، والطلب بثأره، وإقامة كتاب الله، ثم قرأت: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَينَهُمْ﴾ الآية [آل عمران: ٢٣].

فافترق أصحاب عثمان بن حُنَيف فرقتين؛ فرقة قالت: صدقتْ وبرَّتْ، وجاءت بالحق وأمرت بالمعروف، وقال الآخرون: كذبتم، والله ما نعرف ما تقولون، فتحاصَبوا وأرْهجوا، فلمّا رأت عائشة ذلك انحدرت، وانحدر أهلُ الميمنة مفارقين لعثمان، حتى وَقفوا بالمربد في موضع الدَّبّاغين، وبقي أصحابُ عثمان على حالهم حتى تحاجَزوا، ومال بعضُهم إلى عائشة، وبقي بعضهم مع عثمان على فم السّكّة، فوقف عليها.

قال سيف فيما رواه عن سهل بن يوسف، عن القاسم بن محمد قال: وأقبل جارية ابن قُدامة السعديّ فنادى: يا أمّ المؤمنين، والله لَقتلُ عثمان أهونُ من خُروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عُرضةً للسلاح، إنه قد كان لك من الله سِترٌ وحُرمة، فهتكتِ سترَك، وأبحتِ حُرمتك، إنه مَن يرى قتالك فإنه يرى قَتْلَك، فإن كنتِ أتيتنا طائعةً فارجعي إلى منزلك، وإن كنتِ مُستَكرهةً فاستعيني بالناس.

قال: وخرج غلامٌ شاب من بني سعد، فصاح بطلحة والزبير: أما أنت يا زبير فحَواريُّ رسول الله ، وأما أنت يا طلحة فوَقَيته بيدك يوم أحُد، وإني أرى أُمَّكما معكما، فهل جئتُما بنسائكما؟ قالا: لا، قال: فما أنا منكما في شيءٍ، واعتزل، ثم قال: [من الكامل]

صُنتُم حَلائلكم وقُدْتُم أُمَّكم … هذا لعَمَري قِلَّةُ الإنصافِ

أُمِرتْ بجَرِّ ذيولها في بيتها … فهَوَتْ تشُّقُّ البِيدَ بالإيجافِ

غَرَضًا يقاتلُ دونَها أبناؤها … بالنَّبْل والخَطِّيِّ والأسيافِ

هُتِكت بطلحةَ والزبير سُتورُها … هذا المخَبّر عنهم والكافي