قال سيف: وأقبل غُلامٌ من جُهينة على محمد بن طلحة -وكان ابنُ طلحةَ رجلًا عابدًا- فقال: أخبرني عن دم عثمان، فقال: نعم، هو ثلاثة أثلاث، ثلث على صاحبة الهَودَج -يعني عائشة- وثلث على صاحب الجمل الأحمر، وثلثٌ على علي بن أبي طالب، فضحك الغلام وقال: لا أُراني إلا على ضلال، ولحق بعلي ﵇، وقال الغلام في ذلك شعرًا:[من المتقارب]
سألتُ ابنَ طلحةَ عن هالِكٍ … بجَوفِ المدينة لم يُقبَرِ
فقال ثلاثة رَهْطٍ هم … أماتوا ابنَ عفان فاستَعْبِرِ
فثلْثٌ على تلك في خِدرِها … وثلثٌ على راكب الأحمرِ
وثلثٌ على ابن أبي طالبٍ … ونحن بداويَّةٍ قَرْقَرِ
فقلتُ صدقتَ على الأوَّلَينِ … وأخطأتَ في الثالث الأزهرِ
قلت: إنما ضحك الغلامُ على محمد بن طلحة لأنه عَنى بقوله صاحب الأحمر الزبير، ونَسي أباه طلحة (١)، وبنو أمية ما نسبوا قتل عثمان إلا إلى طلحة، ولهذا قتله مروان بن الحكم يوم الجمل لما نذكر.
قال سيف: وأقبل حُكيم بنُ جَبَلة على خيل عثمان بن حُنَيف فأنشب القتال، وأشرع أصحابُ عائشة رماحَهم، وأمسكوا بعضَ التَّمسُّك فلم يَنْتَهِ، فاقتتلوا على فم السّكة، وأشرف أهلُ الدُّور ممن كان له في أحد الفريقين هوًى، فرمَوا الآخرين بالحجارة.
وأمرت عائشةُ أصحابها فتيامنوا، حتى انتهوا إلى مقبرة بني مازن، فوقفوا عندها مليًّا، وثاب إليهم الناس، فحجز الليل بينهم، ورجع عثمان إلى القصر، ورجع الناس إلى قبائلهم.
وجاء أبو الجَرْباء -أحدُ بني عثمان التميمي- إلى عائشة وطلحة والزبير، فأشار عليهم بالنزول في مكانٍ أمثل من مكانهم فقَبلوا رأيَه، فساروا من مقبرة بني مازن، فأخذوا على مُسَنّاة البصرة من قِبل الجبّانة، حتى انتَهوا إلى الزّابُوقة، [ثم أتوا] مقبرةَ بني حِصن فنزلوا بها، وباتوا على تعبية، وأصبحوا على القتال.
(١) صرّح سيف -كما ذكر الطبري ٤/ ٤٦٥ - بأن المقصود بصاحب الأحمر هو طلحة.