ابن عَتّاب بن أسيد إلى الميسرة، وثبتا في القلب، وقالوا: ما هذا؟ قالوا: طَرَقنا أهلُ الكوفة ليلًا، فقالا: قد علمنا أن عليًّا غير مُنتهٍ حتى يَسفك الدماء، ويَستحلّ الحُرمة، وأنه لن يُطاوعَنا، وزحفا بأهل البصرة حتى ردّوهم إلى عسكرهم.
وسمع علي الصوت، وقد وضع القوم رجلًا قريبًا من علي يُخبره بما يريدون، فلما قال علي: ما هذا؟ قال الرجل: إن القوم قد بَيَّتونا، فرددناهم من حيث جاؤوا، فقال علي لصاحب ميمنته: الحق بالميمنة، ولصاحب الميسرة: الحق بالميسرة، وقال: لقد علمتُ أن طلحة والزبير غير منتهيين حتى يَسفكا الدماء، ويَستحلّا الحُرمة، ونادى علي ﵇ في الناس: كُفّوا، وكان من رأيهم جميعًا في تلك الفتنة ألا يقتلوا حتى يُبدؤوا، ولا يُجهزوا على جريح، ولا يستحلّوا سَلبًا، ولا يأخذوا مالًا.
قال سيف: فأقبل كعب بن سُور إلى عائشة فقال: الحقي القوم فقد أبَوا إلا القتال، لعل الله يُصلح بك، فركبت، وألبسوا هَودَجَها الأدْراع، ووقَفت على الجمل، فسمعت غَوغاء كثيرة، فقالت: ما هذا؟ قالوا: ضَجَّةُ العسكر، قالت: بخير أو بشَرّ؟ قالوا: بشَرّ، قالت: فأيّ الفريقين كانت فيهم هذه الضجّة فهم المنهزمون، فما فَجِئها إلا هزيمةُ أهل البصرة، وهذا قول سيف.
وأما هشام بن الكلبي فإنه قال: لما وصل علي ﵇ إلى البصرة، نزل بالزاوية، ثم سار منها يريد القوم، فالتقوا عند قصر عبيد الله بن زياد.
وقال البلاذري: التقوا في مكان يُقال له: الخُرَيبَة في جمادى الأولى، سنة ست وثلاثين … وذكر الوقعة (١).
رجع الحديث إلى سيف وغيره من علماء السير، قالوا جميعًا: لما توافَوا خرج طلحة والزبير على فرسين، وخرج إليهما علي ﵇، ودنا كل واحد من الآخر، فقال لهما علي: لعَمري لقد أعددتُما خيلًا ورجالًا وسلاحًا، إن كنتُما أعددتُما عند الله عُذرًا فاتقيا الله، ولا تكونا كالتي نَقضت غزلَها من بعد قوَّةٍ أنكاثًا، ألم تكونا إخوتي في الله، تُحرّمان دمي وأُحرِّم دمكما؟ [فهل من حَدَثٍ أحلّ لكما دمي؟] فقال له طلحة: