للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألّبتَ الناس على عثمان، فقال: أنتما خذلتُماه حتى قُتل، فسلّط الله اليوم على أشدّنا على عثمان ما يَكره.

ثم قال: يا زبير، أتذكر يوم مررتَ مع رسول الله في بني غَنْم، أو في بني بَياضة، فنظر إليّ وضحك فضحكتُ إليه، فقلت أنت يا زبير: لا يدع ابنُ أبي طالب زَهْوه، فقال لك رسول الله : "إنه ليس بمَزْهُو، ولتُقاتلَنّه يا زُبير، أو لتقاتلنّ ابنَ عمتك، وأنت ظالم له". فوجم الزبير، وقال: والله لو ذكرتُ ذلك ما قاتلتُك، ولا سرتُ مَسيري هذا، ولكن كيف أصنعُ وقد التقت حَلَقتا البِطان، ورجوعي عين العار؟ فقال له علي: تَرجع بالعار، ولا تَرجع بالنار، أو ترجع بالعار خيرٌ من أن ترجع بالنار، يا زُبير قد كنا نَعدُّك من بني عبد المطلب حتى بلغ ابنُك [ابن] السّوء ففرَّق بيننا، فذكّرتك قول رسول الله .

فرجع الزبير وهو يقول: والله لا قاتلتُك أبدًا، وقال: [من البسيط]

اخترتُ عارًا على نارٍ مُؤجَّجةٍ … أنى يَقوم لها خَلْقٌ من الطّينِ

نادى عليّ بأمرٍ لستُ أجهلُه … عارٌ لعمرك في الدنيا وفي الدّينِ

فقلتُ حسبُك من لَوْمٍ أبا حسنٍ … فبعضُ هذا الذي قد قلتَ يكفيني (١)

قال هشام: ولما رجع الزبير إلى أصحابه قالت له عائشة: مالك؟ فقال: ما كنتُ في موطن منذ عقلتُ عقلي إلا وأنا أعرف فيه أمري إلا هذا الموطن، فإنه مالي فيه بالحرب بَصيرة، قالت: فما تُريد أن تصنع؟ قال: أذهبُ وأدعُكم، فقال له ابنه عبد الله: جمعتَ هذين الغارَين، حتى إذا جدّ بعضهم لبعض أردتَ أن تتركَهم وتذهب، ولقد خرجتَ على بصيرة، ولكنك رأيتَ رايات ابن أبي طالب، فنظرتَ تحتها الموتَ الأحمر فجَبُنت.

فأرعد الزبير غضبًا وقال: ويحك، قد حلفتُ أن لا أُقاتلَه، فكيف أصنع؟ قال: تُكفِّر عن يمينك، فأخذ رُمحه، وحَمل فخرق الصُّفوف يمينًا وشمالًا، فحمل عليه الأشتر ليَطعنه، فقال علي: دَعه فإنه مُحرَج، ثم أعتق غلامًا له يقال له مكحول، فقال الشاعر: [من الرجز]


(١) مروج الذهب ٤/ ٣١٧ - ٣١٨، وانظر التدوين في أخبار قزوين ١/ ١٩٣ - ١٩٤.