والثاني: أنها قالت: مَلكْتَ فأسْجِحْ، وهذا مَثَلٌ للعرب (١)، والإسْجاحُ حسن العفو.
والثالث: أنه ضرب الهودج برُمحه وقال: يا حُميراء، الله أمرك بهذا، إنما أمرك بالقَرار في بيتك، واللهِ ما أنصفَك مَن أخرجَك، صانوا حَلائلَهم وأبرزوك، فلم تقل شيئًا.
وقال سيف: ووقف عليها علي وقال: السلام عليك يا أمّاه، فقالت: وعليك السلام يا بُنيّ، فقال: يَغفر الله لك، فقالت: ولك.
وقال ابن إسحاق والواقدي: ولما انهزم الناس يُريدون البصرة رأَوا الجمل قائمًا، فأطافت به مُضَر، فقالت عائشة لكعب بن سُور: خلِّ رأسَ البعير وخُذِ المصحف، ففعل، فرَشَقوه رَشْقًا واحدًا فقتلوه، ولما رأت عائشة اشتدادَ الأمر جعلت تصيح بأعلى صوتها: يا بَنيّ، البقيّةَ البقيّةَ، اذكروا الله واليوم الآخر، وهم يَأبَون إلا القتال، فصاحت: أيها الناس، العَنُوا قتَلَةَ عثمان وأشياعَهم.
وكان القتال من وقت السَّحَرِ إلى نصف النهار، وذلك في يوم الخميس عاشر جمادى الآخرة في أظهر الروايات، وقيل في مُنتَصَف جمادى الآخرة، وكان القتال أوّلَ النهار مع طلحة والزبير، وفي وَسَطه مع عائشة.
وظهر الخللُ في الفريقين، وكثُرت القتلى، وعَظُمت الجراحات، ولم يكن في وقعةٍ قط أكثر من يد مَقطوعةٍ منها، لا يُدرى مَن صاحبُها، فلما فَنِي الكُماة قال أميرُ المؤمنين ومعظم فُرسان طلحة والزبير: مادام هذا الجمل الملعون قائمًا لا يبقى أحد من الفريقين، فقصدوه.
وقال سيف، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كان لا يجيءُ أحدٌ فيأخذ بزِمام الجمل إلا يقول: أنا فلان بن فلان.