فصاح به أمير المؤمنين: يا فاسق كم تتعلَّل بدم عثمان والله، وأنا أطلبكم بدم الهُرْمُزان، والله لأقطعنّك إرْبًا إربًا وقال للأشتر: احمِلْ عليه، فحمل عليه فانهزم، والأشتر يقول:[من الرجز]
إني أنا الأشتر معروفُ السِّيَر
إني أنا الأفعى العراقيُّ الذَّكَرْ
وقال أبو مخنف: خطب أمير المؤمنين بصفِّين فقال: يا أيها الناس، ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الصف: ١٠] وقرأ آيات الجهاد ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا﴾ [الصف: ٤]، فسوّوا صفوفكم كالبنيان المرصوص، وقدِّموا الدّارع، وأخِّروا الحاسر.
وأوصاهم (١) وقال: وإن هؤلاء القوم لم يقاتلونا على إقامة دين رأونا ضيَّعناه، وإحياء حقٍّ رأونا أمتناه، وإن يقاتلوننا إلا على هذه الدنيا؛ ليكونوا فيها جبابرة ملوكًا، ولو ظهروا عليكم لرموكم بمثل سعيد، والوليد، وابن عامر الضال السَّفيه، فقاتلوا عباد الله المارقين الظالمين، الحاكمين بغير ما أنزل الله، ولا تأخذكم في جهادهم لومةُ لائم، فمتى ظهروا عليكم أفسدوا دنياكم ودينكم.
قال هشام: واتَّصل القتال من ليلة الجمعة إلى الصباح، وهي ليلة الهَرير، وكانت ليلةً عظيمة مثلَ ليلة الهَدْأة بالقادسية، تطاعنوا بالرماح حتَّى تقصَّفت، وترامَوا بالنَّبْل حتَّى نَفِد، وتضاربوا بالسيوف حتَّى كَلَّت، وخفيت الأصوات، وغابت الأخبار عن أمير المؤمنين وعن معاوية.
ويقال: إن أمير المؤمنين ثلم في تلك الليلة ثمانيةَ أسياف، وجُرح خمس جراحات؛
(١) في الطبري ٥/ ١٧، ووقعة صفين ٢٤٧ أن هذه الوصية ليزيد بن قيس الأرحبي حرّض الناس فيها على القتال.