للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختلفوا كم أقام مصوَّرًا على أقوال: أحدها: أربعين سنة، قاله ابن عباس.

والثاني: أربعين ليلة، قاله الضحاك. والثالث: لم يقدَّر بشيء، قاله مقاتل.

والأول أظهر، لوجهين:

أحدهما: لأنها تمام الخلق ومنتهى الأشدِّ، ولهذا لم يبعث الله نبيًّا إلا بعد أربعين سنة، قاله السُّدي.

والثاني: لتدور عليه الأفلاك بالنجوم السبعة المدبِّرات أمرًا، فتستحكم أجزاؤه ويكمل خلقه.

وقال بعضهم: أمطر عليه الحزن أربعين سنة، والسرور يومًا واحدًا. وقد نصَّ ابن عباس على أربعين سنة فقال: خمَّر الله طينة آدم قبل التصوير أربعين سنة (١).

واختلفوا أين صوَّره؟ قال ابن عباس: في السماء على باب الجنة، المدة التي ذكرها.

وقال السُّدي: ألقاه بين مكة والطائف، فكان إبليس إذا مرَّ به فزع وضربه برجله فيظهر له صوت وصلصلة فيزداد فزعه.

وقال مقاتل: كان يدخل في فيه ويخرج من دبره ويقول: لأمرٍ ما خُلِقت، ولئن فُضِّلت عليَّ لأهلكنَّك.

قال مسلم بن الحجَّاج بإسناده عن أبيِّ بن كعب وأنس، عن النبي قال: "لما صَوَّرَ آدَم تَركَهُ ما شاءَ أن يَترُكَهُ، فَجَعلَ إبليسُ يُطِيفُ به وينظُرُ إليه، فلمَّا رَآهُ أجوَفَ عَرَفَ أنَّه خَلقٌ لا يَتمالك (٢) ".

وقد روي أنه وكَّل به ملك الموت أربعين سنة، ثم أربعين سنة، ثم أربعين سنة حتَّى استحكم في مئة وعشرين سنة، فلذلك يقول الأطبَّاء: العمر الطبيعي مئة وعشرون سنة.

فإن قيل: فقد قال الله تعالى: في موضع: ﴿مِنْ طِينٍ لَازِبٍ﴾ [الصافات: ١١] وفي موضع


(١) انظر "تاريخ الطبري" ١/ ٩٢.
(٢) صحيح مسلم (٢٦١١) من حديث أنس، ولم نقف على حديث أبي بن كعب في صحيح مسلم ولا في غيره من المصادر.