للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العداوة، حتى ضُربِت له آباط الإبل من الآفاق، وقِيدت إليه الخيل العِراب، وشُهِر عليه [السلاح] في حرم رسول الله ، فقُتل معك في المدينة وأنت تسمع الواعية، لم تردّ عنه ذلك بقولٍ ولا فِعل، ولعمري لو قُمتَ في أمره مُقامًا واحدًا، فنهيت الناس عنه؛ لمحا ذلك ما كان يعرفه الناس منك من المُجانَبة له، ولساعدوك على قَتَلَتِهِ (١)، ولكنك آويتَ قَتَلته مع خذلانهم، فهم أنصارك وأعوانك، وأعضادك (٢) وبِطانتك ويدك، ثم تنتفي من دمه؟! فإن كنتَ صادقًا فمكِّنَّا من قَتَلَتِه لنقتلهم، ثم نحن أسرع الناس سراعًا إليك، وإن أبيتَ فمالك عندنا سوى السيف، والله لنَطْلُبَنَّ قَتّلّة عثمان في البرّ والبحر، والجبال والرمال، حتى نقتلَهم، أو تلحقَ أرواحُنا بعثمان قبل ذلك.

فكتب إليه أمير المؤمنين: قد أطلتَ الخُطَب في أمر عثمان، والله ما قتله غيرك، وإن السيف الذي قتلتُ به أخاك وخالك وجدّك عندي، والسلام.

جواب أمير المؤمنين في الرُّوح:

ذكر الشعبي أن قيصر ملك الروم كتب إلى عمر يقول: أخبرني عن الرُّوح التي ذكرها الله في كتابكم ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ [الإسراء: ٨٥]، ما هي؟ فجمع عمر الصحابة، وأخبرهم الخبر، فلم يجد عندهم جوابًا، غير أنهم قالوا: يَسَعُنا ما وسع رسول الله ، فقال لهم كعب الأحبار: إن الخصوم لا يَقنعون منكم بهذا، ولا بدّ من جَوابٍ يصل إلى أفهامهم، فقال: عليَّ بعليٍّ ، فجاء فعرض عليه كتاب قيصر وقال: ليس لها سواك، فقال: نعم، وكتب في الجواب:

أما بعد، فإن في كتاب الله مَقْنَع، فإن طَلبتَ زيادة فاعلم أن الروح نُكتة لطيفة، ولمعة شريفة، من صنعة بارئها، أخرجها من خزائن مُلكه، وأسكنها في ملكه، وهي عنده لك سبب، وهي لك عنده وَديعة، فإذا أخذتَ مالك عنده أخذ ماله عندك، والسلام.

فلما قرأ قيصر كتابه قال: ما خرج هذا الكلام إلا من بيت نبوة.


(١) في (خ) و (ع): قتله.
(٢) يريد: وعضدك، فجمعها على ما ترى؟!