قال: فاجتمعوا بمكّة، فتذاكروا قتلى النَّهْرَوان، وبكوا وترَحَّموا عليهم وقالوا: ما نَصنع بالبقاء بعدهم، فإنهم إخواننا، لم تأخذهم في الله لَومةُ لائم، ثم تذاكروا ما جرى من سَفْك الدّماء يوم الجمل وصفين، وعابوا عَملَ الولاة، وقالوا: فلو شَرَينا نُفوسَنا، فالتمسنا قتلَ أئمة الضَّلال، فأرحنا منهم العباد والبلاد، وثأرنا بهم إخواننا الشهداء بالنَّهْرَوان.
فقال ابن مُلْجَم: أنا أكفيكم ابن أبي طالب، وقال البُرَك: وأنا لمعاوية، وقال عَمرو بن بكير: وأنا لعمرو بن العاص.
فتعاهدوا وتعاقدوا في الكعبة؛ على ألا يَنكُص واحدٌ منهم عن صاحبه الذي وُجِّه إليه حتى يَقتله أو يُقتل دونه، وسَمّوا أسياقهم، واتَّعدوا فيما بينهم ليلة سبعَ عشرة من شهر رمضان؛ أن يثب كلّ واحد منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه.
وقال هشام: كان الوَعْد بينهم أن يوقع كلُّ واحدٍ منهم بصاحبه في سابع وعشرين من رمضان.
وانفصلوا عن مكة بعد انقضاء الموسم.
وحكى البلاذري (١) عن المدائني: أن بني مُلْجَم؛ وهم: عبد الرحمن وقيس ويزيد؛ أجمعوا على قتل أمير المؤمنين ومعاوية وعمرو بن العاص، فنهاهم أبوهم عن ذلك، وأمرتهم أمهم به، فقال أبوهم: وَدَّعوا أهلَكم فإنكم غير راجعين، فخرج ابن ملجم إلى الكوفة، وقيس إلى الشام، ويزيد إلى مصر.
ثم قال البلاذري: وهذا خبر شاذ لا يرويه إلا قوم من الخوارج.
فأما ابن مُلْجَم فقدم الكوفة، فلقي أصحابَه الخوارج، فكاتَمهم بما يريد، وأقام بينهم يَزورهم ويَزورونه، وهو ساكت مخافةَ أن يظهر منه شيء مما قَدِم له، فاتَّفق أنه