للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال حسان: فقدمتُ على عمرو بن الحارث، فاعتاص عليّ الوصولُ إليه، فقلتُ للحاجبِ بعد مُدَّة: إن أَنْتَ أَذِنْت لي عليه، وإلّا هجوتُ اليمنَ كلَّها، ثم انتقلتُ عنها. فاستَأْذَنَ لي عليه، فأَذِنَ، فدخلتُ، فإذا النابغةُ جالسٌ عن يمينه، وعلقمةُ جالسٌ عن يسارِه، فقال لي: يا ابنَ الفُرَيعة، قد عرفتُ مَوْضِعَك (١) ونَسبَكَ من غَسَّان، فارجع، فإني باعث إليك بِصِلَةٍ سَنِيَّة، وإني أخافُ عليك هذينِ السَّبُعَينِ الضارِيَينِ. وذكر بمعنى ما تقدَّم، فقالا: قل: فأَنشدتُ:

أَسَأَلْتَ رسمَ الدارِ أم لم تَسْأَلِ

القصيدة كلّها.

وبعد: أسألتَ رسمَ الدار:

فالمَرْجِ مَرْجِ الصُّفَّرَينِ فجاسمٍ … فديارِ بُثْنى (٢) دُرَّسًا (٣) لم تُحْلَلِ

الأبيات

ومنها بعد: يُصفَّقُ بالرحيقِ السَّلْسَل:

يَسْقُونَ دِرْياقَ المُدامِ ولم تكُنْ … تَغْدُو ولائدُهم لِنَقْفِ الحَنْظَلِ

يقول: شرابُهم في الأشربة بمنزلة الدِّرْياقِ في الدواء، وفيه ثلاث لغات: دِرْياق، وتِرْياق، وطرياق.

ومعنى نَقْفِ الحَنْظلِ أَنَّهم ملوكٌ لا يحتاجون إلى ما يحتاج إليه غيرُهم من العرب.

بيضُ الوجوه كريمةٌ أحسابُهم … شُمُّ الأُنوفِ من الطِّرازِ الأَوَّلِ

الشَّمَمُ: الارتفاعُ،] يقول:] هم أصحابُ كِبْرٍ وتيه وحَميَّةٍ، ولم يُرِدْ به طول الأَنْف، وإنما هو مَثَلٌ، ومنه قوله تعالى: ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦)[القلم: ١٦].


(١) في "مختصر تاريخ دمشق" ٦/ ٢٩٨: عيصك.
(٢) في "الديوان" ص ١٧٩: سلمى.
(٣) لم تجوّد الكلمة في (خ)، والمثبت من "مختصر تاريخ دمشق".