للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذِكْرُ مقتله:

واختلفوا فيه، فقال هشام بن محمد فيما رواه عن أبي مِخْنَف (١)، عن مجالدِ بن سعيد وغيره؛ دخل حديث بعضِهم في حديث بعض، قالوا: لَمّا وَلَّى معاوية المغيرةَ بنَ شعبةَ الكوفةَ قال له: إن المتلمِّسَ الشاعرَ يقول:

لذي الحِلْمِ قبل اليومِ ما تُقْرَعُ العصا … وما عُلِّم الإنسانُ إلا لِيَعلَما (٢)

وقد أردتُ أن أُوصيَك بأشياءَ كثيرة، وتركتُها اعتمادًا على بِصارَتِكَ بما يُرضيني ويُشدِّدُ سلْطاني، وتَصلُحُ به رَعيَّتي، ولستُ تاركًا إيصاءكَ بخَصلَة، وهي شَتمُ أبي تُراب، والترحُّم على عثمان، وَذَمُّ أصحابِ عليّ وعَيبُهم، وتَرك الاستماع منهم. فقال المغيرة: سوف تُحمِد أو تُذِمّ (٣). فقال معاوية: بل أُحمِدُ إن شاء الله.

فكان المغيرة يذمُّ عليًّا وينال منه، ويستغفر لعثمان، فكان إذا قال ذنك على المنبر قال له حُجْر: بل إيّاكم يذمُّ اللهُ ويلْعَنُ.

ثم قام حُجر يومًا فقال: إن الله تعالى يقول: ﴿كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ﴾ [النساء: ١٣٥]، وأنا أشهدُ أنَّ مَنْ تذمُّون لَأَحقُّ بالتَّفْضيلِ مِمَّن تزكُّون. فقال له المغيرة: ويحك يا حُجْر، اتَّقِ غَضبَ السلطان وسَطْوَتَه، فإنَّه مما يُهْلِكُ أمثالكَ.

وكان حُجر يفعلُ ذلك كثيرًا والمغيرة يَصفَحُ عنه، فأقام المغيرة على ذلك مُدَّةَ إمارته، وحجر لا ينتهي عن مثل هذا الكلام، حتى إذا كان في آخر إمارة المغيرة قام على المنبر، وشتمَ أمير المؤمنين، واستغفرَ لعثمان كما كان يفعل، فصاح به حُجْر: يا أَعوَرُ، انْزِلْ لعنك الله، تذمُّ أميرَ المؤمنين، وتُقَرِّظُ المجرمين. وقامت معه الشيعةُ، فنزل المغيرة، ودخل القصر، واجتمع إليه قومُه ولاموه وقالوا: جَرَأْتَ على سلطانِك حُجْرًا وأصحابَه، فما عذرُكَ عند الله وعند معاوية؟ فقال لهم المغيرة: لا تَعجَلوا، فإني قد قَتلْتُه (٤) وسيأتي بعدي أمير فيقوم إليه كما قامَ إليَّ فيقتُلُه شرَ قِتلَة. قالوا: فقد


(١) هو لوط بن يحيى، وهو تالف، والخبر في "تاريخ الطبري" ٣/ ٢٥٣، وينظر "أنساب الأشراف" ٤/ ٢٦٩.
(٢) لم يجوَّد البيت في النسختين (ب) و (خ)، والمثبت من "تاريخ" الطبري ٥/ ٢٥٣.
(٣) في "تاريخ" الطبري: فستبلو، فتُحْمِدُ أو تُذِمّ، ونحوها في "أنساب الأشراف" ٤/ ٢٦٩.
(٤) بعدها في "أنساب الأشراف" ٤/ ٢٧٠: بحلمي عنه.