للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونهض القومُ، فأتَوْا زيادًا، فأخبروه ببعضٍ وحرَّفوا بعضًا، وحسَّنوا أمره، وسألوه الرِّفْقَ به، فقال: لستُ إذًا لأبي سفيان. وأرسل إليه الشُّرَطَ والأعوان، فقاتَلَهم بمن معه، ثم انْفَضُّوا عنه، وأُتيَ به زيادٌ وبأصحابه، فقال له: ويلك، ما لَك؟ قال: إنِّي على بيعتي لمعاوية لا أُقيلها ولا أَستقيلُها. فجمع زيادٌ سبعين من وجوه أهل الكوفة وقال: اكتبوا شهادتكم على حُجْر وأصحابه. ففعلوا، ثم أَوْفَدَهم على معاوية، وبعث بحُجْرٍ وأصحابه إليه (١).

وقال هشام، عن أبي مِخْنَف، عن أشياخه (٢): إن زيادًا قال لشُرطته: انطلقوا إلى حُجْر، فَأتوني به. فقال أمير الشرطة -وهو شدَّاد بن الهيثم الهلالي، وقيل: الهيثم بن شدَّاد- لحسين بن عبد الله الهمداني: اِذْهب إليه فادعُهُ. فقال حسين: فأتيتُه فقلتُ: أجِبِ الأمير. فقال أصحابُه: لا يأتيه ولا كرامة. قال: فرجعتُ فأخبرتُه، فبعث معي رِجالًا، فسبُّونا وشتمونا، فرجعنا إليه، فأخبرناه الخَبَر قال: فوثب زيادٌ بأشراف أهلِ الكوفة وقال: أتشجُّون بيدٍ وتَأسَوْنَ بأُخرى! أبدانكم معي وأبناؤكم وعشائركم مع حُجْر؛ هذا الهجْهاجة المذْبوب. (الهجْهاجة: الأحمق، والمذبوب: المُنْفَرِدُ العَجِلُ) [هذا واللهِ من] دَحْسِكم (٣) ودَسِّكم. واللهِ لَتُظْهِرُنَّ في براءتكم، أو لآتينَّكم بقوم [أُقيمُ] بهم أَوَدَكم وصَعَرَكُم (٤). فقالوا: معاذَ اللهِ أن يكون لنا فيما ههُنا رأيٌ إلا طاعتك وطاعة أمير المؤمنين. فقال: فَلْيَقُم كلُّ واحدٍ منكم إلى هذه الجماعة التي حَوْلَ حُجْر، فليدعُ كلُّ واحدٍ منكم أخاه وابنه، وذا قَرابتهِ، ومَنْ يُطيعُه من عشيرته.

ففعلوا ذلك، وبقيَ مع حُجْر نَفَرٌ يسير. فقال زياد لصاحب شرطته: اذهب إلى حُجْر، فأتني به، فإن أتى؛ وإلّا قاتلوا مَنْ معه ومَنْ حال دُونَه.

فجاء إليه فقال: أَجِبِ الأمير، فقال أصحابُه: لا، ولا كرامة، فقال لأصحابه: دونكم وإياهم. فضربوهم بالعُمدِ والسيوف، وكان عَمرُو بن الحَمِق مع حُجْر،


(١) طبقات ابن سعد ٨/ ٣٣٧ - ٣٣٨.
(٢) تاريخ الطبري ٥/ ٢٥٧ - ٢٥٨.
(٣) أي: إفسادكم.
(٤) أي: مَيْلَكم.