للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما عَجَزَ زيادٌ عنه قال لمحمد بن الأشعث: لَتَأتينِّي به، وإلا قتلتكَ. وكان محمدُ بن الأشعث صديقًا لِحُجْر، فبعث حُجْر إلى محمد وهو في دار ربيعة: قد بلغني ما قال لك الجبَّار، فَسَلْهُ أن يُؤَمِّنَني حتى أخرجَ إلى معاوية، فيرى فيَّ رَأيَه. فقال ابنُ الأَشعث لجماعة من أشراف الكوفة: كلِّموا زيادًا في أَمانِه. فدخلَ عليه جَرير بن عبد الله، وعبد الله بن الحارث أخو الأشتر، وحُجْر بن يزيد، فطلبوا له الأمانَ، فأَمَّنَه.

وخرج حُجْرٌ، فأتى زيادًا، فقال زياد: مرحبًا أبا عبد الرحمن، أحربًا في أيام الحرب؟ وسلمًا في أيام السلْم (١)؟ على نَفْسِها جنت رَقاش (٢). وأمرَ بحبسه.

وقد ذكرنا رَقاش في صَدرِ الكتاب، وهي امرأةٌ كانت تُغيرُ على العرب، فأسَرَتْ (٣) غلامًا حسنًا، فرأت عَوْرَتَه، فأَعجبَتْها فأَمكنته من نفسها، فحبلت ووضَعَتْ غلامًا. فجاؤوا يطلبونها للغارة، فقالت: على نفسها جَنَتْ رَقاش. فصارت مثلًا (٤).

وقال أبو مِخْنَف، عن مُجالد، عن الشعبي قال (٥): لَمَّا حَبَسَ [زياد] حُجْرَ بنَ عديّ أقام يَتَتَبَّع رُؤساءَ أصحابه، فخرجَ عمرو بنُ الحَمِق، ورِفاعةُ بنُ شدَّاد إلى أرض المَوْصِل، فكَمَنا في جبل هناك، وأخِذَ عَمرو، ونَجا رِفاعة؛ لما نذكر في ترجمة عمرو.

وكان في جُملةِ مَنْ ظَفِرَ زياد رِبْعِيّ بن حِراش بن جَحْش العَبْسِيّ، وكان قد قاتَلَ، فأُخِذَ بالأمانِ فحُبسَ. وأُخِذَ صيفيُّ بنُ فسيل، فقال له زياد: ما تقولُ في أبي تُراب؟ قال: ما أَعرِفُه، قال: ما أعرفَكَ به! قال: ما أَعرفُه، قال: أما تَعْرِفُ عليَّ بنَ أبي طالب؟ قال: بلى. قال: فَذَاكَ أبو تُراب. فقال: كلّا، ذاك أبو الحسن والحُسين. قال زياد: ما تقولُ فيه؟ قال: أَحسن قولٍ أنا قائِلُه في عبدٍ من عبادِ الله المؤمنين. فضربه ضربًا مبرّحًا، وعذّبه عذابًا شديدًا وهو يقول: واللهِ لو شَرَّحتَ لحمي بالمواسي ما قلتُ فيه إلّا ما سمعتَه. فأمر به إلى الحَبْس بعد أن هدَّده بضربِ الرقبة، ولم يَرجع (٦).


(١) في "تاريخ" الطبري ٥/ ٢٦٤: حربٌ في أيام الحرب، وحربٌ وقد سالم الناس؟
(٢) في "تاريخ" الطبري ٥/ ٢٦٤، و"أنساب الأشراف" ٤/ ٢٧٩: براقش. وهو الصواب.
(٣) في (خ): فاشترت.
(٤) ذُكر في هذا الخبر مَثَلٌ آخر. ولعل المصنف وهم فيه. ينظر "جمهرة الأمثال" للعسكري ١/ ٤٨٣ و ٢/ ٥٢.
(٥) ينظر "تاريخ" الطبري ٥/ ٢٦٥.
(٦) تاريخ الطبري ٥/ ٢٦٦ - ٢٦٧.