للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من اخترتُم؟ فاختلفت كلمتُهم، وسمَّى كلُّ فريقٍ منهم رجلًا والأحنفُ ساكت، فقال له معاوية: يا أبا بحر، ما لَكَ لا تتكلَّم؟ فقال: إن ولَّيتَ علينا من أهل بيتك لم نعدلْ بعبيد الله أحدًا، وإن ولَّيتَ علينا من غيرهم، فانظر في ذلك. فقال معاوية: فإني قد أعدتُه.

ثم إن معاويةَ قبَّحَ رأيَ ابنِ زياد في مباعدته الأحنف، وأوصاه به، فلمَّا هاجت الفتنة عند موت يزيد بن معاوية لم يَفِ لعُبيد الله سوى الأحنفِ بنِ قيس (١).

ذكر ما جرى فيها ليزيد بن زياد بن ربيعة بن مُفرِّغ الحِمْيَريّ مع بني زياد:

كان ابنُ مُفَرِّغ صديقًا لسعد بنِ عثمان بن عفَّان، فسأله الخروج معه إلى خُراسان، فلم يفعل، وخرج مع عبَّاد بن زياد، وقد ليَ سجستان، فجفاه عبَّاد، ولم ير منه ما يحبّ، فهجاه، وكان أصابَ الجندَ الذين كانوا مع عبَّاد ضيقٌ في عَلَفِ دوابِّهم، وكان عبَّاد عظيمَ اللحية، فقال ابن مُفَرِّغ:

ألا ليتَ اللِّحى كانَتْ حَشِيشًا … فنَعْلِفَها خيولَ المُسلمينا (٢)

وقال أيضًا:

إذا أوْدَى معاويةُ بنُ حَرْبٍ … فبَشِّرْ شعبَ قَعْبِك بانصدعِ

فأَشْهَدُ أنَّ أمَّكَ لم تُباشِرْ … أبا سفيانَ واضعةَ القِناعِ

ولكن كان أمرًا فيه لَبْسٌ … على وَجَلٍ شديدٍ وارْتِياعِ (٣)

وكان قد ركبَه دينٌ، فأمرَ عبَّاد غرماءَه أن يَسْتَعْدُوا عليه، ففعلوا، فباع غلامًا له يقال له: بُرْد؛ كان قد ربَّاه، وجاريةً يقال لها: أراكة. فقال أبنُ مُفرِّغ:

أُبْقِي (٤) على الأمرِ الذي … كانَتْ عَواقبُه نَدامَهْ


(١) تاريخ الطبري ٥/ ٣١٦ - ٣١٧.
(٢) ينطر "أنساب الأشراف" ٤/ ٤١٤ - ٤١٥، و"تاريخ الطبري" ٥/ ٣١٧.
(٣) أنساب الأشراف ٤/ ٤١٧، وتاريخ الطبري ٥/ ٣١٨.
(٤) كذا في (ب) و (خ)، وفي "المصادر": لهفي. ينظر "أنساب الأشراف" ٤/ ٤١٥، و"الأغاني" ١٨/ ٢٦٠، و"وفيات الأعيان" ٦/ ٣٤٦.