للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عاتبَ عمرو بنُ العاص معاوية في التأنِّي، فقال معاوية: المتثبِّتُ مُصيبٌ، والعَجِلُ مخطئٌ، ومَنْ لم ينفعه الرِّفْقُ؛ ضرَّه الخُرْق، والعاقلُ مَنْ سَلِمَ من الزَّلَل بالتثبُّتِ خوفًا من زَلَّة القَدَم، ولا يزال العَجِلُ يجني ثمرة الندم (١).

وكان معاوية يقول: إياك وصحبةَ المُدْبِر، فإنه غيرُ موفَّق لطريق الرُّشد، فإنك إنْ صحبتَه عَلِقَ بك إدبارُه، وإنْ فارقتَه تَبِعَتْك آثارُه.

[قلت: هذا من كلام أرسطا طاليس، ولعل معاوية حكاه عنه].

وكان معاوية يقول: لو كان بيني وبين العالم شعرة؛ ما انقطعت، إنْ مدُّوا أرْخَيتُ، وإنْ أَرْخَوا مددت (٢).

وكان يقول: إني لأرفعُ نفسي أن يكون ذنب أعظمَ من عفوي، وجهلٌ أكبرَ من حلمي، أو عورة لا أسترُها بستري، أو مساءة أكبر من إحساني (٣).

[قال ابن الكلبي:] وكتب إليه ملك الصين يتهدَّدُه، فقال: من ملك الصين الذي تحتَ يده ألفُ مَلِك، وفي مَرْبطه ألف فِيل، وله ألفُ مدينة، وتحته ألفُ امرأة من بنات الملوك، كلُّ امرأة في قصر من ذهب، وفي مملكته نهران يُخرجان الجوهر والياقوت، وفي مملكته ألفُ جزيرة تُنبت العود والقرنفل، وحصباؤُها اللؤلؤ والمرجان، وفي مملكته ألفُ معدن يُنبت الذهب والفضة.

فكتب إليه معاوية: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾. فقرأ كتابَه ملكُ الصين، فاقشعرَّ جلدُه، ووَجِلَ قلبُه، وسكت عنه.

وكان معاوية يقول: أُعِنْتُ على عليّ بكتماني لسرِّي، ونَشْرِ أمرِه، وبطاعةِ أهل الشام، وعصيانِ أهل العراق له، وبَذْلي المال، وإمساكه إياه (٤).


(١) تاريخ دمشق ٦٨/ ٢٩٠ - ٢٩١. ولم يرد هذا الخبر في (م).
(٢) ينظر "العقد الفريد" ٤/ ٣٦٤.
(٣) أنساب الأشراف ٤/ ٣٢. وينظر "العقد الفريد" ٢/ ٢٧٨. ولم يرد هذا القول ولا الذي قبله في (م). وما سلف قبلهما بين حاصرتين منها.
(٤) أنساب الأشراف ٤/ ٢٣ - ٢٤. وينظر "العقد الفريد" ٤/ ٣٦٦ - ٣٦٧.