للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يومَ القيامة والعذاب الأليم. فقال له شمر: إن اللهَ قاتلُك وصاحِبَك بعد سماعة. فقال له: يا ملعون، بالموت تُخوِّفُني؟! فواللهِ لَلْمَوتُ أحبُّ إليَّ من الخُلْد معكم. ثم رفع صوته ونادى: عبادَ الله، لا يَغُرَّنَّكم في دينكم هذا الجِلْفُ الجافي وأشباهُه، فواللهِ لا تَنالُ شفاعةُ محمدٍ قومًا هوقوا دماء ذرِّيَّته وأهلِ بيته.

وأرسل إليه الحسين : ارجعْ، فقد نصحتَهم كما نصحَ مؤمنُ آلِ فرعون قومَه، ولكن لا يفقهون (١).

وأولُ من زحف عليهم عُمر بن سعد؛ رَمَى بسهم وقال للناس: اشهدوا [أني أولُ من رمى] ثم (٢) قال لمولاه وبيده الراية: يا دريد تَقَدَّم (٣).

وبعثَ خمس مئة من الرُّماة، فأقبلوا إلى الحسين ، فرشقوهم بالنَّبْل، فعقروا خيولهم، فصاروا كلُّهم رجَّالة (٤). وقاتلوهم حتى انتصف النهار أشدَّ قتالٍ خلقه الله، ولا يقدرون على إتيانهم إلا من وجهٍ واحد لاجتماع أبنيتهم، وتقارب بعضها من بعض (٥).

فلما رأى ذلك عُمر بن سعد أرسل رجالًا وقال: قَوِّضُوا الأبنية. فلم يقدروا من النَّبْل، فقال: حرِّقُوها. فجاؤوا بالنار، فقال الحسين : دعوهم يحوقونها، فإن حرقوها لم يستطيعوا أن يجوزوا إليكم منها ومن النار.

وحمل شَمِر حتى طعن فسطاط الحسين برمحه وقال: عليَّ بالنار حتى أُحرق هذا البيت على أهله. قال: فصاح النساء وخرجن من الفسطاط، وصاح به الحسين : يا ابنَ ذي الجَوْشَن، أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي! حرقك الله بالنار.


(١) تاريخ الطبري ٥/ ٤٢٦ - ٤٢٧.
(٢) في (ب) و (خ): بما (؟) وأثبتُّ لفظة "ثم" من قِبلي. وانظر التعليق التالي.
(٣) في (ب) و (خ): "أن تقدّم". وأصلحتُ العبارة، واستدركتُ ما بين حاصرتين من "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٢٩ ليستقيم السياق. ولفظه فيه: "وزحف عمر بن سعد نحوهم، ثم نادى: يا ذُويد، أَدْنِ رايتَك. قال: فأدناها، ثم وضع سهمه في كبد قوسه ثم رمى فقال: اشهدوا أني أوَّلُ مَنْ رَمَى" وبنحوه في "أنساب الأشراف" ٢/ ٤٨٩.
(٤) تاريخ الطبري ٥/ ٤٣٧.
(٥) المصدر السابق ٥/ ٤٣٧ - ٤٣٨.