للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاءه شَبَث بن رِبْعيّ فقال له: ما شهدتُ موقفًا أقبح من موقفك! أَمِطْ عن النساء. فاستحى منه، وانحرف عنهنَّ (١). وقُتل من أصحاب الحسين غلبتهم (٢).

وجاء وقت الصلاة، فقال الحسين : سلُوهم أن يكفُّوا عنَّا حتى نُصلي. فقال الحُصين بن تميم: إنَّها لا تُقبل. فقال له حبيب بن مظهر -وكان من أكابر أصحاب الحسين : يا حمار، أتُقبلُ منك الصلاة، ولا تقبل من ابنِ رسول الله ؟! فحمل عليه الحُصين بنُ تميم، فضرب حبيبٌ وجهَ فرسِه بالسيف، فشَبَّ به فرسُه، فسقط، واحتمله أصحابُه، فقال حبيب:

أُقسمُ لو كنَّا لكم أعدادا … أو شطركم ولَّيتُمُ أكتادا (٣)

يا شرَّ قومٍ حَسَبًا وآدَا

ثم حمل عليهم وقاتلهم قتالًا شديدًا، وحملَ عليه رجل من تميم، فطعنه، وحمل عليه الحصين بنُ تميم، فضربه بالسيف على رأسه، فوقع، ونزل إليه التميمي، فاحتزَّ رأسه، فقال له الحصين: أنا شريكُك في قتله. فقال التميمي: لا والله ما قتله غيري. فقال الحصين: أعطني إياه أعلّقه في عنق فرسي حتى يعلم الناس أني شريكك في قتله، فدفعه إليه، وعلّقه في فرسه [فجال به في العسكر] ثم دفعه إليه، فدخل التميمي الكوفة ورأس حبيب بن مظهر في عنق فرسه يريد ابنَ زياد، فرآه القاسم بنُ حبيب، وهو يومئذٍ قد راهقَ الحلم، فخرج مع الفارس، لا يفارقُه كلما دخلَ القصر وخرج، فارتاب منه الفارس، فقال: ما لك يا بنيّ؟! قال: لا شيء. قال: بلى، فاخبِرْني. فقال: إنَّ هذا رأسُ أبي، فلو أعطيتنيه حتى أدفنه. فقال: إنما قصدي أن يثيبني الأميرُ عليه. فقال له الغلام: لكن الله يُثيبك عليه أسوأ الثواب.


(١) المصدر السابق ٥/ ٤٣٨. وينظر "أنساب الأشراف" ٢/ ٤٩٣.
(٢) جاء في "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٣٩: أن أصحاب الحسين إذا قُتل منهم الرجل والرجلان تبيّن فيهم، وأولئك كثير لا يتبيّن فيهم ما يُقتل منهم. وينظر "الكامل" ٤/ ٧٠.
(٣) أي: جماعات. ينظر "القاموس". ووقع في (ب) و (خ): وليلكم عتادا (؟) والمثبت من "تاريخ الطبري".