للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حاله. قال: فهاتِه. قلتُ: لما خرجنا من ذي الحليفة دفنتُه عند البئر التي تعرف في الدار، فإذا جاء المساء خرجنا إليها، فدفعتُه إليك. فقال: نعم. فلما أمسينا جاء، فخرجتُ ومعي اثنان من غلماني، فانتهينا إلى البئر، وطولُها ثلاثون ذراعًا، فقلتُ له: احفر ها هنا عند رأس البئر. فأخذَ يحفر، فدفعناه، فوقع فيها، فاختنق، فلما أصبحنا جاء رجل ممَّن كان معه بالأمس، فقال: أين أبو المحرّش؟ قلنا: مضى من تحت الليل. فقال: خدَعَنا وأخذ المتاع. قلنا: ما أخذَ شيئًا، والمتاعُ عندنا، فادخلْ فخُذْهُ. فدخلَ، فأغلقنا الباب وقتلناه (١).

قال هشام: وجيء بجماعة من أعيان أهل المدينة إلى مسلم وهو نازل بقُباء، فأُتِيَ برجلين من قريش بعد الوقعة بيوم، وهما يزيد بن عبد الله بن زَمْعة (٢)، ومحمد بن أبي جَهْم بن حُذيفة العدويّ، فقال: بايعا (٣). فقال القرشيَّان: نُبايع على كتاب الله وسنَةِ رسوله. فقدَّمَهما، فضربَ أعناقَهما. فقال له مروان: سبحان الله يا مسلم! أتقتُل رجلين من قريش يبايعان على كتاب الله وسنَة رسوله؟! فقال: لو قلتَ مثلَ قولِهما ما رأيتَ السماء إلا بَرْقَة.

وجيء بمعقل بن سِنان، فقال له: مرحبًا بأبي محمد، وكان صديقًا له قبل ذلك، وكان قد عطش، فسقاه ماءً بثلج (٤)، وقال: والله لا شربتَ بعده ماءً أبدًا إلا في نار جهنَّم. فقال: أنشدك اللهَ والرَّحِم. فقال مسلم: ألستَ ليلة خرجتَ من عند أمير المؤمنين يزيد وقد أتيتَه ببيعة أهلِ المدينة، فقلتَ لي: سِرْنا شهرًا، ورجعنا من عند يزيد صِفْرًا، وأتينا ببيعة هذا الفاسق ابن الفاسق؟! إني آليتُ لا أقدرُ عليك في حرب أو غيرها إلا ضربتُ عنقَك. ثم قتله (٥).


(١) المنتظم ٦/ ١٦ - ١٧.
(٢) في (ب) و (خ): ربيعة، وهو خطأ. والخبر في "تاريخ الطبري " ٥/ ٤٩١ - ٤٩٢، وسيرد في تراجم من قتل يوم الحرة.
(٣) في (ب) و (خ): بايعوا. . . والمثبت من "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٩٢.
(٤) في "تاريخ الطبري" وغيره أنه سقاه عسلًا بثلج.
(٥) تاريخ الطبري ٥/ ٤٩٢. وينظر "أنساب الأشراف" ٤/ ٣٦٥ - ٣٦٦، و"الكامل" ٤/ ١١٩.