للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال: أين نحن؟ فقال: في بني ناجية. فقال: نَجَوْنا إن شاء الله تعالى. وعرفه رجلٌ منهم فرماه بسهم، فوقع في عمامةِ ابنِ زياد. ومضى به الحارث حتى أنزله دار نفسه في الجهاضم.

ثم مضى الحارث إلى مسعود (١) بن عَمرِو بن عديّ، فلما رآه مسعود قال: يا حارِ، قد كنَّا نتعوَّذُ من شرِّ طوارق الليل (٢)، فنعوذُ بالله من شرِّ ما أتيتَنا به. فقال الحارث: ما طَرَقْتُك إلا بخير، وقد علمتَ أنَّ قومَك أَنْجَوْا زيادًا فوَفَوْا له (٣)، فصارت مَكْرُمةً لهم في العرب يفتخرون بها، وقد بايعتُم عُبيدَ الله على الرّضَى، وله قبلَ هذه بيعةٌ في أعناقكم. فقال مسعود: يا حارِ، أتَرَى لنا أنْ نُعادِيَ أهل مِصرِنا في عُبيد الله، وقد أَبْلَينا في أبيه ما أبلينا، ثم لم يُكافئنا، ولم يشكرنا. فقال له الحارث: إنَّه لا يُعاديك أحدٌ على الوفاء بالبيعة حتى تُبلغَه مأمنَه (٤).

وقيل: إنَّ عُبيد الله قال له في الطريق: يا حارث، إنك قد أحسنتَ وأجملت، فهل أنت صانعٌ ما أُشيرُ به عليك؟ قال: نعم. قال: قد عرفتَ منزلةَ مسعود بنِ عَمرو في قومه، وشرفَه وسنَّه وطاعةَ قومه له، فهل لك أن تذهب بي إلى داره، فأكونَ في وسط الأَزْد؟ فإنك إنْ لم تفعل صدعَ عليك أمرُ قومك. قال الحارث: قلتُ: نعم. فانطلقتُ به، فما شعرَ مسعود حتى دخلنا عليه وهو جالس وبين يديه نار تُوقد، فلما نظر في وجوهنا عرَفَنا، فقال: إنه قد كان يتعوَّذ من طوارق السوء، وإنكما من طوارق السوء. قال: فقلتُ له: أفتُخرجُه بعد ما دخل عليك؟! قال: فأمره، فدخل بيتَ عبد الغافر بن مسعود، ثم ركب مسعود من ليلته ومعه جماعة (٥) من قومه، فطافوا في الأزد فقالوا:


(١) في (ب) و (خ): ابن مسعود وهو خطأ، والمثبت من "تاريخ الطبري" ٥/ ٥١٠. وينظر "أنساب الأشراف" ٤/ ٤٦٨.
(٢) في (خ): الليل والنهار، والمثبت من (ب). وهو كذلك في "تاريخ الطبري" ٥/ ٥١٠.
(٣) في (ب) و (خ): وقوله، بدل: فوفوا له. والمثبت من "تاريخ" الطبري.
(٤) تاريخ الطبري ٥/ ٥٠٩ - ٥١٠. وينظر "أنساب الأشراف" ٤/ ٤٤٧ - ٤٤٨.
(٥) في "أنساب الأشراف" ٤/ ٤٦٨؛ و "تاريخ" الطبري ٥/ ٥١١: الحارث وجماعة.