للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الشعبي: وكان المختار قد دفع إليَّ الكتاب، فقال لي: ادْفَعْه إليه. فدفعتُه إليه، فدعا بالمصباح، وفضَّ ختمه، ثم قرأه.

وفيه: من محمَّد المهديّ إلى إبراهيم الأشتر، أمَّا بعد، فقد بعثتُ إليك بوزيري، وأميني، وأمَرتُه بقتال عدوِّي والطلبِ بثأر (١) أهل بيتي، فانهض معه بنفسك وأهلك وعشيرتك، فإنْ ساعدتَ وزيري ونهضت معه؛ كانَتْ لك عندي بذلك الفضيلة، ولك أعنَّةُ الخيل وكلُّ مصر ظهرتَ عليه، وكلُّ ثَغْر فيما بين الكوفة وأقصى بلاد الشَّام، وإنْ أبيتَ هلكتَ هلاكًا لا تستقيِلُه أبدًا. والسلام.

فقال إبراهيم: قد كتبَ إليَّ محمَّد وقد كتبتُ إليه قبل اليوم، فما كان يكتبُ إليَّ إلَّا باسمه واسم أَبيه! فقال المختار: ذاك زمان وهذا زمان. قال: فمَنْ يعلمُ أنَّ هذا كتابُ ابنِ الحنفية إليّ؟ قال المختار: يزيد بن أنس، وأحمر بن شُميط، وعبد الله بنُ كامل، وجماعة.

قال الشعبي: فشهدُوا إلَّا أنا وأبي، فتأخَّر إبراهيم عند ذلك عن صدر الفراش، وأجلسَ عليه المختار، ثم بايعَه على النُّصرة، وقام المختار وأصحابُه فخرجوا، وخرج إبراهيم مع المختار حتَّى دخل داره ورجع.

قال الشعبيّ: فأخذ إبراهيمُ بيدي وقال: انصرفْ بنا يَا شعبيّ. فانصرفتُ معه، فلما دخل رَحْلَه قال: لِمَ لَمْ تشهَدْ أَنْتَ ولا أبوك؟ أترى هؤلاء شهدوا على حقّ؟ قال: فقلتُ: قد شهدوا على ما رأيتَ، وهم سادة القرَّاء ومشيخةُ العصر وفرسانُ العرب، ولا أرى مثلَ هؤلاء يقولون إلَّا حقًّا. قال الشعبي: فقلت هذه المقالةَ وأنا -واللهِ- مُتَّهِمٌ لهم في شهادتهم، غيرَ أنِّي على رأي القوم، وأحبُّ تمام الأمر، فلم أُطلِعْه على ما في نفسي من ذلك. فقال ابنُ الأشتر: اكتبْ لي أسماءهم، فلستُ أعرفُ كلَّهم. قال: فكتبتُ له:

هذا ما شهد به السائب بن مالك الأَشْعريّ، ويزيد بن أنس الأسديّ، وأحمر بن شُميط الأحمسي، ومالك بن عَمرو (٢) النَّهدي. حتَّى أتيتُ على أسمائهم، وقال: اكتُب صورةَ الكتاب، فكتبتُه.


(١) في "تاريخ الطبري"٦/ ١٦: بدماء. وكذا في "أنساب الأشراف"٦/ ٤٧، والكلام فيه بنحوه.
(٢) في (أ) و (خ): عُمر، والمثبت من (ص) وهو الموافق لما في "تاريخ الطبري" ٦/ ١٧.