للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تُمسي عَوائذَه السِّباعُ ودارُهُ … بمنازلٍ أطلالُهنَّ بوالي

رَحَلَ الرِّفاقُ وغادرُوه ثاويًا … للرِّيحِ بين صَبا وبين شَمالِ

ورثاه عبدُ الله بن الزَّبِير الأسدي، وكان قد ذهبَ بصره، فسمع يومًا كلام ابنِ ظَبْيان فقال: من هذا؟ قالوا: قاتل مصعب، فقال:

أبا مطرٍ شَلَّتْ يمينٌ تفزَعَتْ … بسيفك رأسَ ابنِ الحَواريِّ مصعبِ

ولا ظَفِرَتْ كفَّاك بالخيرِ بعدَهُ … ولا عِشْتَ إلا في تَبارٍ مُخَيَّبِ

قتلتَ فتًى كانت يداه بفضلهِ … تَسُحَّان سَحَّ العارضِ المتصوِّب

أَغَرَّ كضوء البدرِ صورةُ وجهِهِ … إذا ما بدا في الجَحْفَلِ المُتَلَبِّبِ (١)

فقال ابنُ ظَبْيان: صدقتَ، واللهِ ما أفلَحْنا بقتله ولا أَنجَحْنا، فهل من توبة؟ فقال: هيهات، سَبَقَ السَّيفُ العَذَل (٢).

ومعنى كلام ابنِ ظَبْيان: أنَّ عبدَ الملك لم يفِ لأحد ممَّن وعدَه الولاياتِ بشيء، وأبعدَهم عنه، ولم يَرَوْا منه خيرًا قطّ.

ولما قتلَ عبدُ الملك مصعبًا، نزل النُّخَيلَة، ثم دعا الناس إلى البيعة، فجاءت قُضاعة، فرأى فيهم قلَّةً فقال: يا معشر قُضاعة، كيف سلمتُم من مُضر مع قلَّتِكم وكثرتِهم؟ فقال له عبدُ الله بن يعلى النَّهْديّ: نحن أعزُّ منهم وأمنع. فقال: بمن؟ قال: بمن معك منَّا.

ثم قال لجُعفى: أشتملتُم على ابنِ أختكم وأجرتُموه؟ -يعني يحيى بنَ سعيد بن العاص- هاتوه، قالوا: وهو آمن؟ قال: وتشترطون عليَّ؟! قالوا: نحن نَدِلُّ عليك. فقال: هو آمن، فجاء يحيى، فقال له عبد الملك: يا قبيح الوجه، بأيِّ وجهٍ تنظرُ إلى ربك وقد خلعتني؟! فقال: بالوجه الَّذي خلقَه. فبايعه.

وجاءت عَدْوان ورئيسُها مَعْبَد بنُ خالد الجَدَلي، وكان دميمًا، فقدَّم بين يديه رجلًا جسيمًا وسيمًا، فقال عبد الملك: من هؤلاء؟ قال الكاتب: عَدْوَان. فقال عبد الملك:


(١) أي: المشمِّر ومعه السلاح. وفي "تاريخ دمشق" ص ٥١١: المتكثِّب.
(٢) تاريخ دمشق ص ٥١١ - ٥١٢ (طبعة مجمع دمشق- ترجمة عبد الله بن الزَّبِير). وينظر "الأغاني" ١٤/ ٢٣٣ - ٢٣٤.